للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرُّكُونُ هُوَ السُّكُونُ إِلَى الشَّيْءِ وَالْمَيْلُ إِلَيْهِ بِالْمَحَبَّةِ، وَنَقِيضُهُ النُّفُورُ عَنْهُ. . . . قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: الرُّكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الرِّضَا بِمَا عَلَيْهِ الظَّلَمَةُ مِنَ الظُّلْمِ، وَتَحْسِينُ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ وَتَزْيِينُهَا عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ وَمُشَارَكَتُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ، فَأَمَّا مُدَاخَلَتُهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَوِ اجْتِلَابِ مَنْفَعَةٍ عَاجِلَةٍ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي الرُّكُونِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: - فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ - أَيْ إِنَّكُمْ إِنْ رَكَنْتُمْ إِلَيْهِمْ فَهَذِهِ عَاقِبَةُ الرُّكُونِ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ حَكَمَ بِأَنَّ مَنْ رَكَنَ إِلَى الظَّلَمَةِ لَابُدَّ وَأَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ الظَّالِمِ فِي نَفْسِهِ " اهـ.

قَدْ تَبِعَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ خَصْمَهُ الْمُعْتَزِلِيَّ (الزَّمَخْشَرِيَّ) فَأَسَاءَ التَّقْلِيدَ، وَاخْتَصَرَ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ وَمَا أَفَادَ، بَلْ زَادَ عَلَيْهِ الِاعْتِذَارَ لِطُلَّابِ الْمَنَافِعِ وَدَرْءِ الْمَضَارِّ مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَخْرَجَ مُدَاخَلَتَهُمْ إِيَّاهُمْ مِنْ جَرِيمَةِ الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ، وَهَلْ يُدَاخِلُهُمْ أَحَدٌ إِلَّا لِهَذَا؟

(٧) وَقَالَ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ عَبْدُ اللهِ عُمَر الْبَيْضَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٦٨٥ هـ - وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا - فَلَا تَمِيلُوا إِلَيْهِمْ أَدْنَى مَيْلٍ، فَإِنَّ الرُّكُونَ هُوَ الْمَيْلُ الْيَسِيرُ كَالتَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ وَتَعْظِيمِ ذِكْرِهِمْ - فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ - بِرُكُونِكُمْ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا

كَانَ الرُّكُونُ إِلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُسَمَّى ظُلْمًا كَذَلِكَ، فَمَا ظَنُّكَ بِالرُّكُونِ إِلَى الظَّالِمِينَ الْمَوْسُومِينَ بِالظُّلْمِ، ثُمَّ بِالْمَيْلِ إِلَيْهِمْ كُلَّ الْمَيْلِ، ثُمَّ بِالظُّلْمِ نَفْسِهِ وَالِانْهِمَاكِ فِيهِ، وَلَعَلَّ الْآيَةَ أَبْلَغُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي النَّهْيِ عَنِ الظُّلْمِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَيْهِ، وَخِطَابُ الرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا، وَالتَّثْبِيتُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ الَّتِي هِيَ الْعَدْلُ، فَإِنَّ الزَّوَالَ عَنْهَا بِالْمَيْلِ إِلَى أَحَدِ طَرَفَيْ إِفْرَاطٍ وَتَفْرِيطٍ فَهُوَ ظُلْمٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ ظُلْمٌ فِي نَفْسِهِ اهـ.

(٨) قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ النَّسَفِيُّ الْحَنَفِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٧٠١ هـ فِي تَفْسِيرِهِ مَدَارِكِ التَّنْزِيلِ: - وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا - ١١: ١١٣ وَلَا تَمِيلُوا، قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللهُ -: هَذَا خِطَابٌ لِأَتْبَاعِ الْكَفَرَةِ، أَيْ: لَا تَرْكَنُوا إِلَى الْقَادَةِ وَالْكُبَرَاءِ فِي ظُلْمِهِمْ وَفِيمَا يَدْعُونَكُمْ إِلَيْهِ - فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ - وَقِيلَ: الرُّكُونُ إِلَيْهِمْ الرِّضَا بِكُفْرِهِمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَلَا تَلْحَقُوا بِالْمُشْرِكِينَ، وَعَنِ الْمُوَفَّقِ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قِيلَ لَهُ. فَقَالَ: هَذَا فِيمَنْ رَكَنَ إِلَى مَنْ ظَلَمَ فَكَيْفَ بِالظَّالِمِ! ! وَعَنِ الْحَسَنِ: جَعَلَ اللهُ الدِّينَ بَيْنَ لَاءَيْنِ: - وَلَا تَطْغَوْا - وَلَا تَرْكَنُوا -. وَقَالَ سُفْيَانُ: فِي جَهَنَّمَ وَادٍ لَا يَسْكُنُهُ إِلَّا الْقُرَّاءُ الزَّائِرُونَ لِلْمُلُوكِ. وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَبْغَضُ إِلَى اللهِ مِنْ عَالِمٍ يَزُورُ عَامِلًا. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ دَعَا لِظَالِمٍ بِالْبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللهُ فِي أَرْضِهِ " وَلَقَدْ سُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ ظَالِمٍ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فِي بَرِّيَّةٍ: أَيُسْقَى شَرْبَةَ مَاءٍ؟ فَقَالَ: لَا. فَقِيلَ لَهُ: يَمُوتُ؟ قَالَ: دَعْهُ يَمُوتُ: - وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ - حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: - فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>