للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٤) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيُّ الْمَالِكِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٥٤٣ هـ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: فِي الْآيَةِ مَسْأَلَتَانِ:

(الْأُولَى) الرُّكُونُ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ النَّقَلَةِ لِلتَّفْسِيرِ، وَحَقِيقَتُهُ الِاسْتِنَادُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قِيلَ فِي الَّذِينَ ظُلِمُوا إِنَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَقِيلَ: إِنَّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنْكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَقَالُوا: أَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَاللهُ أَعْلَمُ بِذُنُوبِهِمْ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالَحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللهِ وَلَا يُرْكَنُ إِلَيْهِ فِيهَا، وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصْحَبَ عَلَى الْكُفْرِ، وَفِعْلُ ذَلِكَ كُفْرٌ، وَلَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَفِعْلُ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ. قَالَ اللهُ فِي الْأَوَّلِ: - وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ - ٦٨: ٩ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْكُفَّارِ فَهِيَ عَامَّةٌ فِيهِمْ فِي الْعُصَاةِ، وَذَلِكَ عَلَى نَحْوٍ مِنْ قَوْلِهِ: - وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا - ٦: ٦٨ الْآيَةَ. وَقَالَ حَكِيمٌ:

عَلَى الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ ... قَرِينِهِ فَكَلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي

وَالصُّحْبَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا عَنْ مَوَدَّةٍ، فَإِنْ كَانَتْ عَنْ ضَرُورَةٍ وَتَقِيَّةٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ عَلَى الْمَعْنَى، وَصُحْبَةُ الظَّالِمِ عَلَى التَّقِيَّةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ النَّهْيِ بِحَالِ الِاضْطِرَارِ اهـ.

وَقَدْ أَصَابَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَالْمَأْثُورَ دُونَ فِقْهِ الْآيَةِ.

وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٦٧١ هـ فِي تَفْسِيرِهِ جَامِعِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَنَقَلَ كَلَامَهُ بِدُونِ عَزْوٍ إِلَيْهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ.

(٥) وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ الشِّيعِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٥٦١ هـ فِي تَفْسِيرِهِ مَجْمَعِ الْبَيَانِ:

(اللُّغَةُ) الرُّكُونُ إِلَى الشَّيْءِ هُوَ السُّكُونُ إِلَيْهِ بِالْمَحَبَّةِ لَهُ وَالْإِنْصَاتِ وَالِانْصِبَابِ إِلَيْهِ بِالْمَحَبَّةِ، نَقِيضُهُ النُّفُورُ. (وَالْمَعْنَى) ثُمَّ نَهَى اللهُ - سُبْحَانَهُ - عَنِ الْمُدَاهَنَةِ فِي الدِّينِ وَالْمَيْلِ إِلَى الظَّالِمِينَ فَقَالَ: - وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا - أَيْ وَلَا تَمِيلُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: لَا تُدَاهِنُوا عَنِ السُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ، وَقِيلَ: إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الرُّكُونِ إِلَى الظَّالِمِينَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الدُّخُولُ مَعَهُمْ فِي ظُلْمِهِمْ وَإِظْهَارُ الرِّضَاءِ بِفِعْلِهِمْ أَوْ إِظْهَارُ مُوَالَاتِهِمْ.

فَأَمَّا الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ أَوْ مُخَالَطَتُهُمْ وَمُعَاشَرَتُهُمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ فَجَائِزٌ عَنِ الْقَاضِي. وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّ الرُّكُونَ: الْمَوَدَّةُ وَالنَّصِيحَةُ وَالطَّاعَةُ. انْتَهَى.

وَهُوَ لَمْ يَأْتِ مِنْ عِنْدِهِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَزَادَ عَلَيْهَا عِبَارَةً عَنْ أُسْتَاذِهِمُ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيِّ وَرِوَايَةَ آلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

(٦) وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٦٠٦ هـ فِي تَفْسِيرِهِ الْكَبِيرِ مَفَاتِحِ الْغَيْبِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>