للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَدَمِ مَيْلِ النَّفْسِ إِلَيْهِمْ وَمَحَبَّتِهَا لَهُمْ، وَكَرَاهَةِ الْمُوَاصَلَةِ لَهُمْ لَوْلَا جَلْبُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ أَوْ دَفْعُ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ، فَعَلَى فَرْضِ صِدْقِ مُسَمَّى الرُّكُونِ عَلَى هَذَا فَهُوَ مُخَصَّصٌ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَلَا يَخْفَى عَلَى اللهِ خَافِيَةٌ.

وَبِالْجُمْلَةِ: فَمَنِ ابْتُلِيَ بِمُخَالَطَةِ مَنْ فِيهِ ظُلْمٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزِنَ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ وَمَا يَأْتِي وَمَا يَذَرُ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ، فَإِنْ زَاغَ عَنْ ذَلِكَ " فَعَلَى نَفْسِهَا بَرَاقِشُ تَجْنِي "، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْفِرَارِ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ مِنْ جِهَتِهِمْ بِأَمْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ فَهُوَ الْأَوْلَى لَهُ وَالْأَلْيَقُ بِهِ. يَا مَالِكَ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ، الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ فِيكَ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَقَوِّنَا عَلَى ذَلِكَ، وَيَسِّرْهُ لَنَا، وَأَعِنَّا عَلَيْهِ اهـ.

تَحْقِيقُ مَسْأَلَةِ طَاعَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ: إِنَّ هَذَا الْبَحْثَ الَّذِي فَتَحَ بَابَهُ وَدَخَلَهُ هَذَانِ الْمُجَدِّدَانِ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا (فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفَتْحِ الْبَيَانِ) كَانَ اسْتِدْرَاكًا ضَرُورِيًّا لِمَا فَسَّرَ بِهِ الْآيَةَ جُمْهُورُ مَنْ قَبْلَهُمَا فَاقْتَصَرُوا وَقَصَرُوا، لَوْلَاهُ لَمَا كَانَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ فِي فَهْمِ الْآيَةِ، عَلَى أَنَّهُمَا عَلَى سَبْقِهِمَا لَمْ يَسْلَمَا مِنْ تَقْصِيرٍ، وَلَمْ يَأْتِيَا بِكُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَحْثُ مِنْ تَحْرِيرٍ، وَأَوْرَدَا الْأَحَادِيثَ بِالْمَعْنَى بِدُونِ تَخْرِيجٍ وَلَا تَدْقِيقٍ.

أَهَمُّ مَا فِي الْبَحْثِ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى التَّحْرِيرِ، مَسْأَلَةُ طَاعَةِ الْمُلُوكِ وَالسَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ

الظَّالِمِينَ وَإِنْ تَفَاقَمَ ظُلْمُهُمْ فَسَلَبُوا الْأَمْوَالَ، وَضَرَبُوا ظُهُورَ الرِّجَالِ، مَا دَامُوا لَا يُظْهِرُونَ الْكُفْرَ الْبَوَاحَ (هُوَ بِالْفَتْحِ: الظَّاهِرُ الْمَكْشُوفُ) وَقَدِ اشْتُهِرَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَنَّ وُجُوبَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ مَذْهَبُ الزَّيْدِيَّةِ.

وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا نَظَرٌ، فَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ فِيهَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْيِيدٍ، وَإِجْمَالُهُ لَا يَنْجَلِي إِلَّا بِبَيَانٍ وَتَفْصِيلٍ، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا تَحْرِيرُهُ فِي كِتَابِ (الْخِلَافَةِ ٠ أَوِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى) وَفِي هَذَا التَّفْسِيرِ.

وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ فِيمَا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنِ الرُّكُونِ إِلَى الظَّالِمِينَ، وَحَظْرِ مَا دُونَ الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ، وَمَا فِي مَعْنَى هَذَا النَّهْيِ مِنْ آيَاتِ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ فِي تَقْبِيحِ الظُّلْمِ، وَبَيَانِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِهَلَاكِ الْأُمَمِ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى سُلْطَةِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِمْ.

وَمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي طَاعَتِهِمْ يُقَابِلُهُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ وُجُوبِ الْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي الظَّالِمِينَ عَامَّةً، وَعَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَالْأُمَرَاءِ خَاصَّةً، وَوُجُوبِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ أَوَّلًا فَإِنْ لَمْ يُسْتَطَعْ فَبِاللِّسَانِ، وَكَوْنِ إِنْكَارِهِ بِالْقَلْبِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ لِمَا قَبْلَهُ أَضْعَفَ الْإِيمَانِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>