للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهُ عَدَمُ الْمَيْلِ إِلَيْهِمْ وَلَوْ يَسِيرًا، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الرُّكُونِ، فَإِنْكَارُهُمْ لَهُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَخْطَأَ مَنْ أَخْطَأَ فِي تَفْسِيرِ الرُّكُونِ بِهِ.

وَحَسْبُنَا هُنَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: - عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ - ٥: ١٠٥ الْآيَةَ، فَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ قَيْسٍ (أَبِي حَازِمٍ) قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: - يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ - حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ الْآيَةِ - أَلَا وَإِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ اللهُ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِعِقَابِهِ، أَلَا وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: " إِنَّ النَّاسَ ". . . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَا وَضَعَهَا اللهُ: - يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ - سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ "، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ

ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْحُمَيْدِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ.

وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَآكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ فَضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ٥: ٧٨ قَالَ: فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ أَطْرًا " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: قَالَ: " كَلَّا وَاللهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَّكُمُ اللهُ كَمَا لَعَنَهُمْ " اهـ.

أَطَرَهُ عَلَى الْحَقِّ وَغَيْرِهِ: عَطَفَهُ وَثَنَاهُ، وَقَصَرَهُ عَلَيْهِ حَبَسَهُ وَأَمْسَكَهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّاهُ (وَبَابُهُمَا ضَرَبَ) .

وَالْأَصْلُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَنَّ الطَّاعَةَ الْوَاجِبَةَ فِي الشَّرْعِ هِيَ لِأُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْأَئِمَّةِ (الْخُلَفَاءِ) وَنُوَّابِهِمْ مِنَ السَّلَاطِينِ وَأُمَرَاءِ الْجُيُوشِ وَالْوُلَاةِ، وَكُلُّهَا مُقَيَّدَةٌ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، دُونَ الْمَحْظُورِ. وَأَمَّا طَاعَةُ الْمُتَغَلِّبِينَ فَهِيَ لِلضَّرُورَةِ، وَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَيَجِبُ إِزَالَتُهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ تُرَجِّحُ مَفْسَدَتَهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ، فَخُرُوجُ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ السِّبْطِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى يَزِيدَ الظَّالِمِ الْفَاسِقِ كَانَ حَقًّا مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ، وَلَكِنَّهُ مَا أَعَدَّ لَهُ عُدَّتَهُ الْكَافِيَةَ، بَلْ خَذَلَهُ مَنْ عَاهَدُوهُ عَلَى نَصْرِهِ، وَقَدِ امْتَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>