الشَّاهِدُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ بَعْدَهَا وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَضْمُونِهَا: - خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ - ٧ الْآيَةَ، أَيْ: خَلَقَهُمَا وَمَا كَانَ يُوجَدُ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّفَعَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ الْمَزْعُومِينَ، فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُمُ الْآنَ وَفِي كُلِّ آنٍ، كَمَا كَانَ غَنِيًّا عَنْهُمْ عِنْدَ بَدْءِ التَّكْوِينِ، وَرَاجِعْ مَا فَصَّلْنَاهُ فِي تَفْسِيرِهَا مِنْ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ حَيٍّ مِنَ الْمَاءِ، تَرَ فِيهِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ مَا يَرْبَأُ بِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ وَسِيطًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ الضَّعِيفِ كَمَا وَصَفَهُ خَالِقُهُ الْقَوِيُّ الْقَدِيرُ.
الشَّاهِدُ الرَّابِعُ: الْآيَاتُ (٩ و١٠ و١١) فِي بَيَانِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيمَا يُذِيقُهُمْ رَبُّهُمْ بِحِكْمَتِهِ مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا دَارِ الْبَلَاءِ، وَأَصْنَافِهِمْ فِيهَا مِنْ يَائِسٍ كَفُورٍ، وَفَرِحٍ فَخُورٍ، وَصَبُورٍ شَكُورٍ، فَبِهَذَا التَّقْسِيمِ الْمَشْهُودِ الْمَخْبُورِ، تَعْرِفُ تَوْحِيدَ اللهِ - تَعَالَى - وَفَضْلَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ، وَجَدَارَتَهُمْ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، وَاسْتِحَالَةَ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي فَضْلِهِ عَلَيْهِمْ، أَوْ وَسِيطٌ فِي نِعَمِهِ وَتَكْرِيمِهِ لَهُمْ.
(الْبَابُ الثَّانِي) :
(فِي الْوَحْيِ الْمُحَمَّدِيِّ " الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ " وَإِثْبَاتِ رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، وَفِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ) :
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) افْتَتَحَ هَذِهِ السُّورَةَ كَالَّتِي قَبْلَهَا بِذِكْرِ هَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ، وَإِحْكَامِ آيَاتِهِ ثُمَّ تَفْصِيلِهَا مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، إِعْلَامًا بِأَنَّ إِحْكَامَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَسَاسِ الْحِكْمَةِ، وَتَفْصِيلَهَا مَرْفُوعٌ عَلَى قَوَاعِدِ الْعِلْمِ وَدِقَّةِ الْخِبْرَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ - ١٢ يَعْنِي: أَنَّ حَالَكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرِينَ الْمُقْتَرِحِينَ عَلَيْكَ مَا لَيْسَ أَمْرُهُ إِلَيْكَ، حَالُ مَنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ تَرْكُ بَعْضِ مَا يَنْقُلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَحْيِ، وَضِيقِ صَدْرِهِ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ، فَلَا تَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا يُوحَى إِلَيْكَ، وَلَا يَضِيقُ بِهِ صَدْرُكَ، إِنَّمَا أَنْتَ رَسُولٌ وَظِيفَتُكَ التَّبْلِيغُ وَالْإِنْذَارُ، لَا الْإِتْيَانُ بِالْآيَاتِ، وَلَا الْوَكَالَةُ عَلَيْهِمْ فَتُكْرِهُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الرَّدُّ فِي الْآيَةِ (١٣) عَلَى قَوْلِهِمُ: " افْتَرَاهُ " بِتَحَدِّيهِمْ بِالْإِتْيَانِ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرِيَاتٍ، وَدَعْوَةِ مَنِ اسْتَطَاعُوا مِنْ دُونِ اللهِ لِمُظَاهَرَتِهِمْ وَإِعَانَتِهِمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا مَعْنَى هَذَا التَّحَدِّي بِالْعَشْرِ الْمُفْتَرَيَاتِ بَعْدَ مَا سَبَقَ فِي سُورَةِ يُونُسَ مِنَ التَّحَدِّي بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مَا لَا تَجِدُ مِثْلَهُ فِي تَفَاسِيرِ الْأَوَّلِينَ وَلَا الْآخِرِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ السُّوَرِ مَا اشْتَمَلَ عَلَى قِصَصِ الرُّسُلِ، وَأَنَّ فِي إِعْجَازِ هَذِهِ الْقِصَصِ بِالْبَلَاغَةِ وَالْأَسَالِيبِ وَالنُّظُمِ وَالْعِلْمِ مَا لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute