للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - بَعْدَ الْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ. وَقَدْ ذُكِرَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ بِاللَّفْظِ الْمُجْمَلِ الدَّالِّ عَلَى كُلِّ مَا تَصْلُحُ بِهِ أَنْفُسُ الْبَشَرِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ.

(الْأَوَّلِ) قَوْلُهُ بَعْدَ بَيَانِ قِسْمَيِ الْيَئُوسِ الْكَفُورِ، وَالْفَرِحِ الْفَخُورِ مِنَ النَّاسِ: - إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ - الْآيَةَ.

(الثَّانِي) قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ: - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - ٢٣. وَفِي مَعْنَاهَا الْإِحْسَانُ فِي قَوْلِهِ: - لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا - ٧ وَقَوْلُهُ: - إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ - ١١٤.

وَأَمَّا الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي الْمُفَصَّلَةُ فَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ السُّورَةِ الْمَدَنِيَّةِ، وَنَذْكُرُ مَا هُنَا مِنْ أُصُولِهَا فِي الْبَابِ الْخَامِسِ.

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ) :

(فِي وَظِيفَةِ الرُّسُلِ الْأَسَاسِيَّةِ وَصِفَاتِهِمْ وَبَيِّنَاتِهِمْ وَفِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عَقِيدَةً) :

(الْأُولَى: وَظِيفَةُ الرُّسُلِ الْأَسَاسِيَّةُ) هِيَ مَا بَعَثَهُمُ اللهُ لِأَجْلِهِ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ بِإِنْذَارِ مَنْ تَوَلَّى عَنِ الْإِيمَانِ وَعَصَى، وَتَبْشِيرِ مَنْ أَجَابَ الدَّعْوَةَ فَآمَنَ وَاهْتَدَى، وَالشَّوَاهِدُ عَلَيْهَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي دَعْوَةِ رَسُولِهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ: - إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ - ٢ وَقَوْلُهُ لَهُ: - إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ - ١٢ وَمِثْلُ هَذَا الْحَصْرِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، وَقَوْلُهُ حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَوَّلُ رُسُلِهِ إِلَى الْأَقْوَامِ الْمُشْرِكَةِ: - إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ - ٢٥ وَقَوْلُهُ حِكَايَةً عَنْ رَسُولِهِ هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ - ٥٧.

وَمَوْضُوعُ التَّبْلِيغِ هُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى أَرْكَانِ الدِّينِ الثَّلَاثَةِ الْمُبَيَّنَةِ آنِفًا، وَعَلَيْهَا مَدَارُ سَعَادَةِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكُلُّهَا مُبْطِلَةٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَقْوَامُهُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ - تَعَالَى - وَسَائِطُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ خَلْقِهِ يُقَرِّبُونَهُمْ إِلَيْهِ بِجَاهِهِمْ، وَيَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ مِنْ جَلَبَ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ بِشَفَاعَتِهِمْ لَهُمْ عِنْدَهُ، أَوْ بِتَصَرُّفِهِمْ فِي خَلْقِهِ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، إِلَّا مَا جَعَلَهُ مِنْ آيَاتِهِ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِمْ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ، كَإِبْرَاءِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَائِهِ لِلْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ لَهُ، بِأَنْ دَعَاهُ فِي ذَلِكَ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

(الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ بَشَرٌ مُرْسَلُونَ) ، أَيْ لَا يَمْلِكُونَ مِنْ أُمُورِ الْعَالَمِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَوْقَ كَسْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>