للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلتَّذْكِيرِ بِهِمْ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ تُرْجُمَانِ

الْقُرْآنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ أُولَئِكَ الصَّالِحِينَ هُمُ الَّذِينَ يَنْفَعُونَ وَيَضُرُّونَ، وَيَدْفَعُونَ الْعَذَابَ بِكَرَامَاتِهِمْ أَوْ بِشَفَاعَتِهِمْ عِنْدَ اللهِ لَا تَمَاثِيلُهُمْ.

بَلْ نَرَى هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ الَّذِينَ يَلْجَئُونَ إِلَى قُبُورِهِمُ الصَّالِحِينَ؛ لِدُعَائِهِمْ أَوْ مَا يُسَمُّونَهُ التَّوَسُّلَ بِهِمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، يَجْهَلُونَ جَمِيعَ عَقَائِدِ الْقُرْآنِ وَسُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِيهِ الَّتِي أَجْمَلْنَاهَا فِي خُلَاصَةِ هَذِهِ السُّورَةِ، مِنَ التَّوْحِيدِ وَوَظَائِفِ الرُّسُلِ، إِلَى هَذِهِ السُّنَنِ فِي إِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ، وَأَمْثَالِهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.

وَأَكْبَرُ مَصَائِبِ الْإِسْلَامِ أَنَّ افْتِتَانَ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّالِحِينَ الَّذِي اتَّبَعُوا فِيهِ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ ((شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ)) كَمَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ سَبَبًا لِإِلْحَادِ فَرِيقٍ كَبِيرٍ مِنَ الَّذِينَ يَتَعَلَّمُونَ عُلُومَ الْعَصْرِ وَمِنْهَا سُنَنُ الْخَلْقِ وَالِاجْتِمَاعِ، وَمُرُوقِهِمْ مِنَ الدِّينِ بِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ خُرَافِيٌّ هُوَ الَّذِي أَضَاعَ مُلْكَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى إِنَّ حُكُومَةَ التُّرْكِ الْحَاضِرَةِ تَرَكَتِ الْإِسْلَامَ الْحَقَّ الْمُنَزَّهَ عَنِ الْخُرَافَاتِ، وَعَادَى رَئِيسُهَا وَمُؤَسِّسُهَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ وَلُغَتَهُمَا وَحُرُوفَهُمَا بِمَا لَمْ يُسْبَقْ لَهُ نَظِيرٌ فِي عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالصَّلِيبِيِّينَ فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ٢٦: ٤.

وَخُلَاصَةُ مَعْنَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ (١٠٢) أَنَّ أَخْذَ اللهِ الْقُرَى الظَّالِمَةَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِمْ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَيَكُونُ عَلَى نَحْوِ أَخْذِهِ لَهَا فِي الْمَاضِي، أَلِيمًا شَدِيدًا لَا هَوَادَةَ وَلَا رَحْمَةَ وَلَا مُحَابَاةَ.

وَخُلَاصَةُ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ (١١٢ و١١٣) أَمْرُ اللهِ لِرَسُولِهِ بِالِاسْتِقَامَةِ هُوَ وَمَنْ تَابَ مَعَهُ كَمَا أَمَرَ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الطُّغْيَانِ وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ، وَعَنِ الرُّكُونِ إِلَى الظَّالِمِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْمُشَبَّهَةِ حَالُهُمْ فِي قَرْيَتِهِمْ (مَكَّةَ) لِحَالِ أُولَئِكَ الظَّالِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْمُهْلَكَةِ؛ لِأَجْلِ أَنْ يُنَجَّيَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ أَتْبَاعُ أُولَئِكَ الرُّسُلِ قُبَيْلَ إِهْلَاكِ قَوْمِهِمْ؛ لِأَنَّ سُنَّتَهُ - تَعَالَى - فِي عِبَادِهِ وَاحِدَةٌ.

وَخُلَاصَةُ الْخَامِسَةِ (١٦٦) أَنَّ الْوَسِيلَةَ لِمَنْعِ وُقُوعِ الْعَذَابِ بِالْأُمَمِ الظَّالِمَةِ، هُوَ وُجُودُ أُولِي بَقِيَّةٍ فِيهَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَيُطَاعُونَ، إِذْ بِفَقْدِهِمْ يَتَّبِعُ الظَّالِمُونَ مَا أُتْرِفُوا فِيهِ فَيَكُونُونَ مُجْرِمِينَ فَيَهْلِكُونَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِاسْتِئْصَالِهِمْ فَبِذَهَابِ اسْتِقْلَالِهِمْ.

وَخُلَاصَةُ السَّادِسَةِ (١١٧) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِ اللهِ - تَعَالَى - وَلَا مَنْ سُنَّتِهِ فِي عِبَادِهِ أَنْ يُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ مِنْهُ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الْأَسَاسُ الْأَعْظَمُ لِعِلْمِ الِاجْتِمَاعِ فِي حَيَاةِ الْأُمَمِ وَمَوْتِهَا وَعِزَّتِهَا وَذُلِّهَا، فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا.

إِنَّ عُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةَ الْأَمْصَارِ الَّذِينَ وَرِثُوا لُغَةَ الْقُرْآنِ بِالسَّلِيقَةِ وَسُنَّةَ النَّبِيِّ وَبَيَانَهُ لَهُ بِالِاتِّبَاعِ، كَانُوا يَفْهَمُونَ هَذِهِ السُّنَنَ الْإِلَهِيَّةَ فِي الْخَلْقِ وَيَهْتَدُونَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَضَعُوا لَهَا قَوَاعِدَ عِلْمِيَّةً وَفَنِّيَّةً لِتَفْقِيهِ مَنْ بَعْدِهِمْ فِيهَا، ثُمَّ زَالَتْ سَلِيقَةُ اللُّغَةِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>