للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ)) وَيُرَجِّحُ كَوْنَ الرِّوَايَةِ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ ; حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا سَافَرَ فَرْسَخًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ)) وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ. بَلْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ فِي الْمِيلِ الْوَاحِدِ، وَمَا رُوِيَ فِي قَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسَافَةٍ أَطْوَلَ لَا يُنَافِي هَذَا ; فَإِنَّ الْقَصْرَ فِيهَا أَوْلَى، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ السَّفَرَ الَّذِي يُبَاحُ فِيهِ الْقَصْرُ يُبَاحُ فِيهِ الْفِطْرُ، وَأَمَّا الْعَاصِي بِالسَّفَرِ فَهُوَ عَلَى دُخُولِهِ فِي الْإِطْلَاقِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِالشَّرِيعَةِ كُلِّهَا كَغَيْرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) .

وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) يُومِئُ إِلَى أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِيهِ بَلْ يُفْطِرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ; لِأَنَّ الْكَلِمَةَ تَدُلُّ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنَ السَّفَرِ بِجَعْلِهِ كَالْمَرْكُوبِ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى حُنَيْنٍ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ رَاحِلَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا)) وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي بُصْرَةَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ وَتَسْمِيَتُهُ سُنَّةٌ.

وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ فَلَمَّا بَلَغَ الْكَدِيدَ - بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ - أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ)) قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (الْبُخَارِيُّ) : وَالْكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عَسْفَانَ وَقُدَيْدٍ - بِالتَّصْغِيرِ - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: ((حَتَّى بَلَغَ عَسْفَانَ)) وَالْكَدِيدُ تَابِعَةٌ لِعَسْفَانَ وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُفْطِرَ، وَلَوْ نَوَى الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَصْبَحَ صَائِمًا فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَخْ.

وَذَهَبَتِ الظَّاهِرِيَّةُ أَوْ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ الْإِفْطَارِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَالْآيَةُ لَا تَقْتَضِيهِ، وَقَدْ مَضَتِ السُّنَّةُ الْعَمَلِيَّةُ بِخِلَافِهِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْعُدَّةِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ صَامَا، وَمُقْتَضَاهَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى ضَيَّقَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَشَدَّدَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يُشَدِّدْ عَلَى غَيْرِهِمَا وَهُوَ كَمَا تَرَى. وَالصَّوَابُ أَنَّ مَنْ صَامَ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَمَنْ أَفْطَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَبِذَلِكَ مَضَتِ السُّنَّةُ الْعَمَلِيَّةُ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمُ الْمُفْطِرُ وَمِنْهُمُ الصَّائِمُ لَا يَعِيبُ أَحَدٌ عَلَى الْآخَرِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالْإِفْطَارِ عِنْدَ تَوَقُّعِ الْمَشَقَّةِ فَيُفْطِرُونَ جَمِيعًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>