للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَبْيَضِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ; أَيْ: انْفِصَالِ كُلٍّ مِنَ الْآخَرِ

بِرُؤْيَةِ ضَوْءِ الْفَجْرِ الْمُسْتَطِيرِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَلَا التَّعَبُّدُ بِرُؤْيَةِ ظِلِّ الزَّوَالِ وَقْتَ الظُّهْرِ، وَصَيْرُورَةِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَقْتَ الْعَصْرِ، وَلَا بِرُؤْيَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَغِيبَةِ الشَّفَقِ لِوَقْتَيِ الْعِشَاءَيْنِ، فَغَرَضُ الشَّارِعِ مِنْ مَوَاقِيتِ الْعِبَادَةِ مَعْرِفَتُهَا وَمَا ذَكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَوْطِ إِثْبَاتِ الشَّهْرِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ إِكْمَالِ الْعِدَّةِ بِشَرْطِهِ قَدْ عَلَّلَهُ بِكَوْنِ الْأُمَّةِ فِي عَهْدِهِ كَانَتْ أُمِّيَّةً أَوْ مِنْ مَقَاصِدِ بِعْثَتِهِ إِخْرَاجُهَا مِنَ الْأُمِّيَّةِ لَا إِبْقَاؤُهَا فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (٦٢: ٢) وَفِي مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ لِعِلْمِ الْكِتَابَةِ وَالْحِكْمَةِ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ الْأُمِّيَّةِ.

(٢) إِنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ فِي عِبَادَتِهَا مَا أَمْكَنَ الِاتِّفَاقُ وَسِيلَةً وَمَقْصِدًا، فَإِمَّا أَنْ تَتَّفِقَ كُلُّهَا أَوْ أَهْلُ كُلِّ قُطْرٍ مِنْهَا عَلَى الْعَمَلِ بِظَوَاهِرِ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَعَمَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ مِنْ رُؤْيَةِ الْفَجْرِ وَالظِّلِّ وَالْغُرُوبِ وَالشَّفَقِ وَالْهِلَالِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَبِالتَّقْدِيرِ أَوْ رُؤْيَةِ الْعَلَامَاتِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَجُوزُ لِمُؤَذِّنِ الْفَجْرِ أَنْ يُؤَذِّنَ إِلَّا إِذَا رَأَى ضَوْءَهُ مُعْتَرِضًا فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّيَالِي ; فَفِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ وَلَا سِيَّمَا أَوَاخِرِهِ يُرَى مُتَأَخِّرًا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي يُرَى فِيهِ فِي لَيَالِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ الْمُظْلِمَةِ بِقَدْرِ تَأْثِيرِ نُورِ الْقَمَرِ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ (وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالَيِ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ) وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ: ((إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ)) قَالَ بَعْضُ رُوَاتِهِ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَإِمَّا أَنْ تَعْمَلَ بِالْحِسَابِ وَالْمَرَاصِدِ عِنْدَ ثُبُوتِ إِفَادَتِهَا الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ بِهَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا الْعَمَلُ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، (وَلَوْ) مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ رُؤْيَتِهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ ظَاهِرِ النَّصِّ وَالْمُرَادِ مِنْهُ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ وَأَعَمُّ، وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الصَّحْوِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ يَكُونُ إِثْبَاتُ الشَّهْرِ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ ظَنِّيًّا أَوْ دُونَ الظَّنِّيِّ،

وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا أَنَّ الْعِلْمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ، فَلَا يُعْمَلُ بِالظَّنِّ مَعَ إِمْكَانِ الْعِلْمِ، فَمَنْ أَمْكَنَهُ رُؤْيَةُ الْكَعْبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا وَيَعْمَلَ بِظَنِّهِ الَّذِي يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ الِاجْتِهَادُ.

(٣) إِذَا قِيلَ: إِنَّ إِفَادَةَ الْحِسَابِ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِوُجُودِ الْهِلَالِ وَإِمْكَانِ رُؤْيَتِهِ خَاصٌّ بِالْفَلَكِيِّ الْحَاسِبِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعِلْمِ بِهِ كَمَا ذَكَرْتُمْ وَلَا يَكُونُ عِلْمُهُمْ حُجَّةً عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>