فَأَنْزَلَ اللهُ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَعَبَدُ بْنُ حُمَيْدٍ مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي سَبَبِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنَ الدُّخُولِ مِنَ الْبَابِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ سَقْفَ الْبَابِ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ، وَبَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِخَطَئِهِمْ فِي ذَلِكَ بَيَّنَ لَهُمُ الْبِرَّ الْحَقِيقِيَّ فَقَالَ: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أَيْ: إِنَّ الْبِرَّ هُوَ تَقْوَى اللهِ تَعَالَى بِالتَّخَلِّي عَنِ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ، وَعَمَلِ الْخَيْرِ وَالتَّحَلِّي بِالْفَضْلِ، وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَاجْتِنَابِ الْبَاطِلِ، فَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَلْيَكُنْ بَاطِنُكُمْ عُنْوَانًا لِظَاهِرِكُمْ بِطَلَبِ الْأُمُورِ كُلِّهَا مِنْ مَوَاضِعِهَا، وَاتَّقُوا اللهَ رَجَاءَ أَنْ تُفْلِحُوا فِي أَعْمَالِكُمْ، وَتَبْلُغُوا غَايَةَ آمَالِكُمْ، فَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ: أَنَّ الْأَهِلَّةَ جَمْعُ هِلَالٍ: وَهُوَ الْقَمَرُ فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: حَتَّى يَحْجُرَ ; أَيْ: يَسْتَدِيرُ بِخَطٍّ دَقِيقٍ، وَقِيلَ: حَتَّى يَبْهَرَ ضَوْءُهُ سَوَادَ اللَّيْلِ، وَقَدَّرُوا ذَلِكَ بِسَبْعٍ. وَقَالُوا: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنِ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إِذَا صَرَخَ حِينَ الْوِلَادَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لِلْإِعْلَامِ بِهَا يَقُولُونَ: الْهِلَالُ وَاللهِ، وَأَهَلَّ الرَّجُلُ: رَفَعَ صَوْتَهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ: رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَأَهَلَّ بِذِكْرِ اللهِ وَبِاسْمِ اللهِ، وَأَهَلَّ الْقَوْمُ وَاسْتَهَلُّوا: رَأَوُا الْهِلَالَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ
كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute