يَذْكُرُ مَوْضِعُ الْعِبْرَةِ فِيهَا (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (١٢: ١١١) (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)
(١١: ١٢٠) وَكُلُّ مَا تَرَاهُ فِي هَذِهِ التَّوْرَاةِ الَّتِي عِنْدَ الْقَوْمِ مِنَ الْقَصَصِ الْمُسْهِبَةِ وَالتَّارِيخِ الْمُتَّصِلِ مِنْ ذِكْرِ خَلْقِ آدَمَ وَمَا بَعْدَهُ فَهِيَ مِمَّا أُلْحِقَ بِالتَّوْرَاةِ بَعْدَ مُوسَى بِقُرُونٍ، بَلْ كُتِبَ أَكْثَرُ تَوَارِيخِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ بَعْدَ السَّبْيِ وَرُجُوعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَابِلَ. وَمَنْ أَرَادَ كَمَالَ الْبَيَانِ فِي وَظَائِفِ الرُّسُلِ فَعَلَيْهِ بِرِسَالَةِ التَّوْحِيدِ لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ.
وَإِذَا كَانَ مَا وَرَدَ فِي السُّؤَالِ عَنِ الْأَهِلَّةِ لَمْ يَصِحَّ سَنَدًا - كَمَا تَقَدَّمَ - فَلَا يَنْفِي ذَلِكَ أَنَّ السُّؤَالَ قَدْ وَقَعَ بِالْفِعْلِ، وَلَا أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي قَالُوهَا هِيَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ، فَمَا كُلُّ مَا لَمْ يَصِحَّ سَنَدُهُ بَاطِلٌ، وَلَا كُلُّ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَاقِعٌ، فَرُبَّ سَنَدٍ قَالُوا إِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ جَارِحًا فِي أَحَدٍ مِنْ رِجَالِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ خَفِيَ كَذِبُهُ وَاسْتَتَرَ أَمْرُهُ.
يَدُلُّ عَلَى السُّؤَالِ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ: (يَسْأَلُونَكَ) وَيَسْتَأْنِسُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَلَى الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) فَإِنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا بِأَنَّ مَنْ يَسْأَلُ النَّبِيَّ عَمَّا لَمْ يُبْعَثِ النَّبِيُّ لِبَيَانِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عِرْفَانُهُ عَلَى الْوَحْيِ فَهُوَ فِي طَلَبِهِ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ مَطْلَبِهِ كَمَنْ يَطْلُبُ دُخُولَ الْبَيْتِ مِنْ ظَهْرِهِ دُونَ بَابِهِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُ الِاتِّصَالُ وَالِالْتِحَامُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْآيَةِ أَحْكَمَ وَأَقْوَى. وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا مُفِيدٌ لِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجِّ الَّذِي يُعْرَفُ مِيقَاتُهُ لِأَهْلِهِ لَكَانَ لَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا تَأْدِيبَ السَّائِلِينَ بِتَمْثِيلِ ذَلِكَ السُّؤَالِ بِمِثَالٍ لَا يَرْتَضِيهِ عَاقِلٌ وَهُوَ إِتْيَانُ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا، وَإِرْشَادُهُمْ إِلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفِيدُوهُ وَتَحْسِينُهُ لَهُمْ بِجَعْلِهِ كَإِتْيَانِ الْبُيُوتِ مِنْ أَبْوَابِهَا.
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَتَوُا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ((كَانَتْ قُرَيْشُ تَدَّعِي الْحُمْسَ وَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنَ الْأَبْوَابِ فِي الْإِحْرَامِ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ وَسَائِرُ الْعَرَبِ لَا يَدْخُلُونَ مِنْ بَابٍ فِي الْإِحْرَامِ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي بُسْتَانٍ إِذْ خَرَجَ مِنْ بَابِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ قُطْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَجُلٌ فَاجِرٌ، وَإِنَّهُ خَرَجَ مَعَكَ مِنَ الْبَابِ، فَقَالَ لَهُ: ((مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ)) ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ فَعَلْتَهُ فَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتَ، قَالَ ((إِنِّي رَجُلٌ أَحْمَسِيٌّ)) قَالَ لَهُ: فَإِنَّ دِينِي دِينُكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute