للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالتَّلْبِيَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ ذِكْرُ الْحَجِّ الْخَاصِّ الَّذِي يُكَرَّرُ فِي أَثْنَائِهِ إِلَى انْتِهَاءِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ إِلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ، وَلِلْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِي التَّحْدِيدِ.

وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْكَسْبَ مُبَاحٌ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، وَأَنَّهُ مَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ وَمُلَاحَظَةِ أَنَّهُ فَضْلٌ مِنَ الرَّبِّ تَعَالَى يَكُونُ فِيهِ نَوْعَ عِبَادَةٍ، وَأَنَّ التَّفَرُّغَ لِلْمَنَاسِكِ فِي أَيَّامِ أَدَائِهَا أَفْضَلُ، وَالتَّنَزُّهَ عَنْ جَمِيعِ حُظُوظِ الدُّنْيَا فِي تِلْكَ الْبِقَاعِ الطَّاهِرَةِ أَكْمَلُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) الْإِفَاضَةُ مِنَ الْمَكَانِ: الدَّفْعُ مِنْهُ، مُسْتَعَارٌ مِنْ إِفَاضَةِ الْمَاءِ، وَأَصْلُهُ أَفَضْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَيُقَالُ أَيْضًا: أَفَاضَ فِي الْكَلَامِ إِذَا انْطَلَقَ فِيهِ كَمَا يَفِيضُ الْمَاءُ وَيَتَدَفَّقُ، وَعَرَفَاتٌ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ مَوْقِفُ الْحَاجِّ فِي النُّسُكِ يَجْتَمِعُ

فِيهَا كُلَّ عَامٍ أُلُوفٌ كَثِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا الِاسْمُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ جَمْعٌ وُضِعَ لِمُفْرَدٍ كَأَذْرُعَاتٍ وَهُوَ مُرْتَجَلٌ، وَذَكَرُوا وُجُوهًا لِلتَّسْمِيَةِ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ يَتَعَرَّفُ فِيهِ النَّاسُ إِلَى رَبِّهِمْ بِالْعِبَادَةِ، أَوْ أَنَّهُ يُشْعِرُ بِتَعَارُفِ النَّاسِ فِيهِ، وَعَرَفَةُ اسْمٌ لِلْيَوْمِ يَقِفُ فِيهِ الْحُجَّاجُ بِعَرَفَاتٍ، وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ، وَأُطْلِقَ أَيْضًا عَلَى الْمَكَانِ فِي كَلَامِهِمْ، وَلِعَرَفَاتٍ أَرْبَعَةُ حُدُودٍ: حَدٌّ إِلَى جَادَّةِ طَرِيقِ الْمَشْرِقِ، وَالثَّانِي إِلَى حَافَاتِ الْجَبَلِ الَّذِي وَرَاءَ أَرْضِهَا، وَالثَّالِثُ إِلَى الْبَسَاتِينِ الَّتِي تَلِي قَرْنَيْهَا عَلَى يَسَارِ مُسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةِ، وَالرَّابِعُ وَادِي عُرَنَةَ - بِضَمٍّ فَفَتَحَ - وَلَيْسَتْ عَرِنَةُ وَلَا نَمِرَةَ - بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ - مِنْ عَرَفَاتٍ.

وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ. وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ: جَبَلُ الْمُزْدَلِفَةِ يَقِفُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَيُسَمَّى قُزَحَ - بِضَمٍّ فَفَتْحٍ - وَسُمِّيَ مَشْعَرًا ; لِأَنَّهُ مَعْلَمٌ لِلْعِبَادَةِ، وَوُصِفَ بِالْحَرَامِ لِحُرْمَتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَاتٍ إِلَى وَادِي مُحَسِّرٍ - بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ - وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَلَا مِنْ مِنًى بَلْ هُوَ مَسِيلُ مَاءٍ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ، وَقَدِ اسْتَوَتْ أَرْضُهُ الْآنَ أَوْ هُوَ مِنْ مِنًى.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنَ الْحَاجِّ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ أَنْ يَذْكُرَ اللهُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فِيهَا بِالدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّلْبِيَةِ، وَقِيلَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءَيْنِ جَمْعًا، وَلَيْسَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ بَلْ قَالُوهُ لِيَنْطَبِقَ عَلَى قَوْلِهِمُ: الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الذِّكْرَ هُنَاكَ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِلْآيَةِ وَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيَانِ الْمَنَاسِكِ مَعَ قَوْلِهِ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)) أَوْ ((لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ)) هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)) فَكُلُّ مَا الْتَزَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِلَاتِهِ وَنُسُكِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ مُبَيِّنٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>