مُسْكِرٍ وَآخَرَ، وَهَذَا الْبَيَانُ قَطْعِيٌّ مُتَوَاتِرٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ ((مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)) .
وَأَمَّا الْمَيْسِرُ فَهُوَ الْقِمَارُ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ يَسَرَ إِذَا وَجَبَ، أَوْ مِنَ الْيُسْرِ بِمَعْنَى السُّهُولَةِ; لِأَنَّهُ كَسْبٌ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا كَدٍّ، أَوْ مِنَ الْيَسَارِ وَهُوَ الْغِنَى; لِأَنَّهُ سَبَبُهُ لِلرَّابِحِ. أَوْ مِنَ الْيَسَرِ بِمَعْنَى التَّجْزِئَةِ وَالِاقْتِسَامِ، يُقَالُ: يَسَرُوا الشَّيْءَ إِذَا اقْتَسَمُوهُ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمَيْسِرُ الْجَزُورُ - الْجَمَلُ - كَانُوا يَتَقَامَرُونَ عَلَيْهِ، سُمِّيَ مَيْسِرًا; لِأَنَّهُ يُجَزَّأُ أَجْزَاءً، فَكَأَنَّهُ مَوْضِعُ التَّجْزِئَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ جَزَّأْتَهُ فَقَدْ يَسَرْتَهُ، وَالْيَاسِرُ الْجَازِرُ أَيْ: لِأَنَّهُ يُجَزِّئُ لَحْمَ الْجَزُورِ، ثُمَّ صَارَ يُقَالُ لِلْمُتَقَامِرِينِ جَازِرُونَ; لِأَنَّهُمْ سَبَبُ الْجَزْرِ وَالتَّجْزِئَةِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ.
وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهِيَ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ عَشَرَةُ قِدَاحٍ (جَمْعُ قِدْحٍ بِالْكَسْرِ) وَتُسَمَّى الْأَزْلَامَ وَالْأَقْلَامَ، وَهِيَ الْفَذُّ، وَالتَّوْءَمُ، وَالرَّقِيبُ، وَالْحَلِسُ (كَكَتِفٍ) وَالْمُسْبِلُ، وَالْمُعَلَّى، وَالنَّافِسُ، وَالْمَنِيحُ، وَالسَّفِيحُ، وَالْوَغْدُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ الْأُولَى نَصِيبٌ مَعْلُومٌ مِنْ جَزُورٍ يَنْحَرُونَهَا وَيُجَزِّئُونَهَا عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ أَوْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَلَيْسَ لِلثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ شَيْءٌ، فَلِلْفَذِّ سَهْمٌ، وَلِلتَّوْءَمِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّقِيبِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْحَلِسِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلنَّافِسِ خَمْسَةٌ، وَلِلْمُسْبِلِ سِتَّةٌ، وَلِلْمُعَلَّى سَبْعَةٌ وَهُوَ أَعْلَاهَا; وَلِذَلِكَ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ لِمَنْ كَانَ أَكْبَرَ حَظًّا أَوْ نَجَاحًا مَنْ غَيْرِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُفِيدٍ لَهُ، فَيُقَالُ: صَاحِبُ الْقَدَحِ الْمُعَلَّى، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ هَذِهِ الْأَزْلَامَ فِي الرَّبَابَةِ، وَهِيَ الْخَرِيطَةُ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ
يُجَلْجِلُهَا وَيُدْخِلُ يَدَهُ فَيُخْرِجُ مِنْهَا وَاحِدًا بِاسْمِ رَجُلٍ، ثُمَّ وَاحِدًا بِاسْمِ رَجُلٍ إِلَخْ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ قَدَحٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْصِبَاءِ أَخَذَ النَّصِيبَ الْمَوْسُومَ بِهِ ذَلِكَ الْقَدَحُ، وَمَنْ خَرَجَ لَهُ قَدَحٌ لَا نَصِيبَ لَهُ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَغَرِمَ ثَمَنَ الْجَزُورِ كُلَّهُ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ تِلْكَ الْأَنْصِبَاءَ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يَأْكُلُونَ مِنْهَا، وَيَفْتَخِرُونَ بِذَلِكَ وَيَذُمُّونَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَيُسَمُّونَهُ الْبَرَمَ - بِالتَّحْرِيكِ - وَهُوَ فِي الْأَصْلِ ثَمَرُ الْعِضَاهِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ فَقَالَ:
كُلُّ سِهَامِ الْيَاسِرِينَ عَشَرَةٌ فَأَوْدَعُوهَا صُحُفًا مُنَشَّرَةً لَهَا فُرُوضٌ وَلَهَا نَصِيبُ الْفَذُّ وَالتَّوْءَمُ وَالرَّقِيبُ وَالْحَلِسُ يَتْلُوهُنَّ ثُمَّ النَّافِسُ وَبَعْدَهُ مُسْبِلُهُنَّ السَّادِسُ ثُمَّ الْمُعَلَّى كَاسْمِهِ الْمُعَلَّى صَاحِبُهُ فِي الْيَاسِرِينَ الَأَعْلَى وَالْوَغْدُ وَالسَّفِيحُ وَالْمَنِيحُ غَفْلٌ فَمَا فِيهَا يُرَى رَبِيحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute