الصَّالِحِ، وَلَكِنَّهَا فِي أَوَاخِرِهَا تُبَيِّنُ مَحَلَّ الدَّعْوَةِ وَالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّنَا مُسْلِمُونَ مُخِلِصُونَ وَأَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهِمُ الِانْحِرَافُ فَاتَّخَذُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَرْبَابًا يُحِلُّونَ وَيُحَرِّمُونَ، وَيُشَرِّعُونَ لَهُمْ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخْلِصِينَ وَلَا مُسْلِمِينَ فِي أَعْمَالِهِمْ; وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُنْكِرُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ الْحَقِيقِيِّ وَالتَّارِيخِ مِنْهُمْ، بَلْ يَقُولُونَ: لَوْلَا الِانْحِرَافُ وَالشَّرَائِعُ الَّتِي زَادُوهَا وَسَمَّوْهَا بِالطُّقُوسِ وَبِأَسْمَاءَ أُخْرَى لَمَا ضَعُفَتْ أَخْلَاقُهُمْ، وَمَرِضَتْ قُلُوبُهُمْ وَانْحَلَّتْ جَامِعَتُهُمْ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ فِيهِمْ مَا كَانَ. وَقَدْ طَرَأَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنِ اتَّبَعُوا سَنَنَهُمْ مِنَّا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، مَعَ أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ عِنْدَنَا قَدْ حُفِظَ بِعِنَايَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِثْلُهَا، وَصِرْنَا فِي حَاجَةٍ إِلَى مَنْ يَدْعُونَا إِلَى إِقَامَةِ الْأَصْلِ كَمَا دَعَاهُمْ دَاعِي الْإِسْلَامِ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُدْعَى إِلَيْهِ الْجَمِيعُ مَوْجُودٌ مَحْفُوظٌ كَمَا هُوَ لَا يَنْقُصُ الْجَمِيعَ إِلَّا إِقَامَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي اتَّخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي عَصْرِنَا آلَةَ لَهْوٍ وَسِلْعَةَ تِجَارَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَدْعُونَ إِلَى إِقَامَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِتَحْرِيمِ الْعَمَلِ بِهِ وَيُسَمِّي ذَلِكَ اجْتِهَادًا، وَالِاجْتِهَادُ عِنْدَهُمْ مَمْنُوعٌ، فَقَدْ مَنَعُوا الْقُرْآنَ بِشُبْهَةٍ سَخِيفَةٍ وَهِيَ مَنْعُ الْعِلْمِ الِاسْتِدْلَالِيِّ، وَمَنْعُهُ مَنْعٌ لِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَانْصِرَافٌ عَنْ يَنْبُوعِهِ، وَتَفْضِيلُ أَخْذِ عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ مِنْ كُتُبِ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعَةِ عَلَى أَخْذِهَا مِنْ كِتَابِ اللهِ الْمَعْصُومِ، وَتَفْضِيلُ أَخْذِ أَحْكَامِهِ حَتَّى التَّعَبُّدِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ وَمِنْ سُنَّةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَبْقَى مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ، وَالْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ، وَالسِّيَاسَةِ الْعُلْيَا وَسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ الْمُثْلَى مِمَّا لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِمْ، وَقَدِ اسْتَغْنَوْا عَنْهَا بِالتَّبَعِ لِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ غَيْرِهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ أَدْنَى حَاجَةٍ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ وَمَعَارِفِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ مِنَ الْخِذْلَانِ!
فَإِذَا كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ يُشْبِهُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُخْلِصِينَ الْعَامِلِينَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبَيْنَ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ انْحَرَفُوا عَنْ هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَرَكَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا، وَأَخْبَرَنَا أَنَّنَا لَا نَضِلُّ مَا تَمَسَّكْنَا بِهِمَا - كَمَا فِي
حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ - فَكَيْفَ يَكُونُ أَهْلُ الْكِتَابِ كَالْمُشْرِكِينَ فِي حُكْمِ اللهِ تَعَالَى؟
وَالْجُمْلَةُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ الْكِتَابِيَّةُ مِنَ الْبَاطِلِ هُوَ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ دِينِهَا، وَقَدْ عَرَضَ لَهَا وَلِقَوْمِهَا بِشُبْهَةٍ ضَعِيفَةٍ يَسْهُلُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْعَالِمِ بِالْحَقِّ أَنْ يَكْشِفَ لَهَا عَنْ وَجْهِ الْحَقِّ فِي شُبْهَتِهَا وَيُرْجِعَهَا إِلَى الصَّوَابِ، وَيَعْسُرُ عَلَيْهَا هِيَ أَنْ تَنْتَصِرَ بِالشُّبْهَةِ عَلَى الْحُجَّةِ وَتُزِيلَ السُّنَّةَ الْأُولَى بِمَا عَرَضَ مِنَ الشُّبْهَةِ، وَأَمَّا مَا نَرَاهُ مِنَ التَّبَايُنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الْآنَ فَسَبَبُهُ سِيَاسَةُ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ، وَلَوْ أَقَمْنَا الْكِتَابَ وَأَقَامُوهُ لَتَقَارَبْنَا وَرَجَعْنَا جَمِيعًا إِلَى الْأَصْلِ الَّذِي أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَرُبَّ مُسْلِمٍ مُقَلِّدٍ يَتَزَوَّجُ بِكِتَابِيَّةٍ عَالِمَةٍ، فَتُفْسِدُ عَلَيْهِ تَقَالِيدَهُ وَلَا عِوَضَ لَهُ عَنْهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute