هَذَا مَا كَتَبْتُهُ عِنْدَ طَبْعِ التَّفْسِيرِ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى، وَقَدْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ فُتِنَ كَثِيرٌ مِنَ الشُّبَّانِ الْمِصْرِيِّينَ بِنِسَاءِ الْإِفْرِنْجِ فَتَزَوَّجُوا بِهِنَّ فَأَفْسَدْنَ عَلَيْهِمْ أُمُورَهُمُ الدِّينِيَّةَ وَالْوَطَنِيَّةَ، وَاضْطُرَّ بَعْضُهُمْ إِلَى الطَّلَاقِ، وَغَرِمَ كَثِيرًا مِنَ الْمَالِ، وَمِنْهُمْ رَجُلٌ غَنِيٌّ قَتَلَتْهُ امْرَأَتُهُ الْفَرَنْسِيَّةُ وَجَاءَتْ تُطَالِبُ بِمِيرَاثِهَا مِنْهُ، وَقَلِيلٌ مِنْهُمْ مَنِ اهْتَدَتْ بِهِ زَوْجَتُهُ وَأَسْلَمَتْ، وَقَدْ سَرَتِ الْعَدْوَى إِلَى الْمُسْلِمَاتِ، فَمِنَ الْغَنِيَّاتِ مِنْهُنَّ مَنْ تَزَوَّجْنَ بِمَنْ عَشِقْنَ مِنْ رِجَالِ الْإِفْرِنْجِ بِدُونِ مُبَالَاةٍ بِالدِّينِ الَّذِي لَا تَعْرِفُ مِنْهُ غَيْرَ اللَّقَبِ الْوِرَاثِيِّ، وَقَدْ عَظُمَتِ الْفِتْنَةُ، وَقَى اللهُ الْبِلَادَ شَرَّهَا، وَلَنْ يَكُونَ إِلَّا بِتَجْدِيدِ التَّرْبِيَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَإِصْلَاحِ الْحُكُومَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ) أَيْ: يُوَضِّحُ الدَّلَائِلَ عَلَى أَحْكَامِ شَرِيعَتِهِ لِلنَّاسِ، فَلَا يَذْكُرُ لَهُمْ حُكْمًا إِلَّا وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حِكْمَتَهُ وَفَائِدَتَهُ بِمَا يُظْهِرُ لَهُمْ بِهِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَالسَّعَادَةَ فِيمَا شَرَعَهُ لَهُمْ (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يَتَّعِظُونَ فَيَسْتَقِيمُونَ; فَإِنَّ الْحُكْمَ إِذَا لَمْ تُعْرَفْ فَائِدَتُهُ لِلْعَامِلِ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَمَلَّ الْعَمَلَ بِهِ فَيَتْرُكَهُ وَيَنْسَاهُ، وَإِذَا عَرَفَ عِلَّتَهُ وَدَلِيلَهُ وَانْطِبَاقَهُ عَلَى مَصْلَحَتِهِ وَمَصْلَحَةِ مَنْ يَعِيشُ مَعَهُمْ فَأَجْدَرُ بِهِ أَنْ يَحْفَظَهُ وَيُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَيَسْتَقِيمَ عَلَيْهِ، لَا يُكْتَفَى بِالْعَمَلِ بِصُورَتِهِ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ إِلَى الْمُرَادِ مِنْهُ. وَمِنْ هُنَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَإِنَّ مَا يُشَارِكُ
الْمَنْصُوصَ فِي الْعِلَّةِ يُعْطَى حُكْمَهُ، وَلَيْتَنَا عَمِلْنَا بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَلَمْ نَرْجِعْ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالظَّوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ عَقْلٍ، وَيَا لَيْتَهَا ظَوَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِنْ هِيَ إِلَّا ظَوَاهِرُ أَقْوَالِ أَقْوَامٍ مِنَ الْمُؤَلِّفِينَ، مِنْهُمُ الْمَعْرُوفُ تَارِيخُهُ وَمِنْهُمُ الْمَجْهُولُ أَمْرُهُ، وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى، فَاللهُمَّ ذَكِّرْنَا مَا نُسِّينَا، وَاهْدِنَا إِلَى الِاعْتِبَارِ بِكِتَابِكَ وَالْعَمَلِ بِهِ; لِنَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ.
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute