لِشَرَائِعِهِمْ وَعَقَائِدِهِمْ وَآدَابِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تُعْطِي الرَّجُلَ مِيزَانًا يَزِنُ بِهِ مُعَامَلَتَهُ لِزَوْجِهِ فِي جَمِيعِ الشُّئُونِ وَالْأَحْوَالِ، فَإِذَا هُمْ بِمُطَالَبَتِهَا بِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ يَتَذَكَّرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ بِإِزَائِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: إِنَّنِي لَأَتَزَيَّنُ لِامْرَأَتِي كَمَا تَتَزَيَّنُ لِي لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِ الْمِثْلَ بِأَعْيَانِ الْأَشْيَاءِ وَأَشْخَاصِهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْحُقُوقَ بَيْنَهُمَا مُتَبَادَلَةٌ وَأَنَّهُمَا أَكْفَاءٌ، فَمَا مِنْ عَمَلٍ تَعْمَلُهُ الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ إِلَّا وَلِلرَّجُلِ عَمَلٌ يُقَابِلُهُ لَهَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فِي شَخْصِهِ، فَهُوَ مِثْلُهُ فِي جِنْسِهِ، فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي الْحُقُوقِ وَالْأَعْمَالِ، كَمَا أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي الذَّاتِ وَالْإِحْسَاسِ وَالشُّعُورِ وَالْعَقْلِ; أَيْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَشَرٌ تَامٌّ لَهُ عَقْلٌ يَتَفَكَّرُ فِي مَصَالِحِهِ، وَقَلْبٌ يُحِبُّ مَا يُلَائِمُهُ وَيُسَرُّ بِهِ، وَيَكْرَهُ مَا لَا يُلَائِمُهُ وَيَنْفِرُ مِنْهُ، فَلَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يَتَحَكَّمَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ بِالْآخَرِ وَيَتَّخِذَهُ عَبْدًا يَسْتَذِلُّهُ وَيَسْتَخْدِمُهُ فِي مَصَالِحِهِ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ عَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ وَالدُّخُولِ فِي الْحَيَاةِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ سَعِيدَةً إِلَّا بِاحْتِرَامِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ - قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ -: هَذِهِ الدَّرَجَةُ الَّتِي رُفِعَ النِّسَاءُ إِلَيْهَا لَمْ يَرْفَعْهُنَّ إِلَيْهَا دِينٌ سَابِقٌ وَلَا شَرِيعَةٌ مِنَ الشَّرَائِعِ، بَلْ لَمْ تَصِلْ إِلَيْهَا أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَ
الْإِسْلَامِ وَلَا بَعْدَهُ، وَهَذِهِ الْأُمَمُ الْأُورُبِّيَّةُ الَّتِي كَانَ مِنْ آثَارِ تَقَدُّمِهَا فِي الْحَضَارَةِ وَالْمَدَنِيَّةِ أَنْ بَالَغَتْ فِي تَكْرِيمِ النِّسَاءِ وَاحْتِرَامِهِنَّ، وَعَنِيَتْ بِتَرْبِيَتِهِنَّ وَتَعْلِيمِهِنَّ الْعُلُومَ وَالْفُنُونَ، لَا تَزَالُ دُونَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ الَّتِي رَفَعَ الْإِسْلَامُ النِّسَاءَ إِلَيْهَا، وَلَا تَزَالُ قَوَانِينُ بَعْضِهَا تَمْنَعُ الْمَرْأَةَ مِنْ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا بِدُونِ إِذْنِ زَوْجِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي مَنَحَتْهَا إِيَّاهَا الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَرْنًا وَنِصْفٍ، وَقَدْ كَانَ النِّسَاءُ فِي أُورُبَّا مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً بِمَنْزِلَةِ الْأَرِقَّاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا كُنَّ فِي عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ أَوْ أَسْوَأَ حَالًا، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ: إِنَّ الدِّينَ الْمَسِيحِيَّ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّنَا نَعْتَقِدُ أَنَّ تَعْلِيمَ الْمَسِيحِ لَمْ يَخْلُصْ إِلَيْهِمْ كَامِلًا سَالِمًا مِنَ الْإِضَافَاتِ وَالْبِدَعِ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنَّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ لَمْ يُرَقِّ الْمَرْأَةَ وَإِنَّمَا كَانَ ارْتِقَاؤُهَا مِنْ أَثَرِ الْمَدَنِيَّةِ الْجَدِيدَةِ فِي الْقَرْنِ الْمَاضِي.
وَقَدْ صَارَ هَؤُلَاءِ الْإِفْرِنْجُ الَّذِينَ قَصُرَتْ مَدَنِيَّتُهُمْ عَنْ شَرِيعَتِنَا فِي إِعْلَاءِ شَأْنِ النِّسَاءِ يَفْخَرُونَ عَلَيْنَا، بَلْ يَرْمُونَنَا بِالْهَمَجِيَّةِ فِي مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ، وَيَزْعُمُ الْجَاهِلُونَ مِنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ أَنَّ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ هُوَ أَثَرُ دِينِنَا، ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الدَّرْسِ أَنَّ أَحَدَ السَّائِحِينَ مِنَ الْإِفْرِنْجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute