زَارَهُ فِي الْأَزْهَرِ وَبَيْنَا هُمَا مَارَّانِ فِي الْمَسْجِدِ رَأَى الْإِفْرِنْجِيُّ بِنْتًا مَارَّةً فِيهِ فَبُهِتَ وَقَالَ: مَا هَذَا؟ أُنْثَى تَدْخُلُ الْجَامِعَ! ! ! فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: وَمَا وَجْهُ الْغَرَابَةِ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّنَا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِسْلَامَ قَرَّرَ أَنَّ النِّسَاءَ لَيْسَ لَهُنَّ أَرْوَاحٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ عِبَادَةٌ: فَبَيَّنَ لَهُ غَلَطَهُ وَفَسَّرَ لَهُ بَعْضَ الْآيَاتِ فِيهِنَّ. قَالَ: فَانْظُرُوا كَيْفَ صِرْنَا حُجَّةً عَلَى دِينِنَا؟ وَإِلَى جَهْلِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ بِالْإِسْلَامِ حَتَّى مِثْلِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ رَئِيسٌ لِجَمْعِيَّةٍ كَبِيرَةٍ فَمَا بَالُكُمْ بِعَامَّتِهِمْ؟
إِذَا كَانَ اللهُ قَدْ جَعَلَ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ مِثْلَ مَا لَهُمْ عَلَيْهِنَّ إِلَّا مَا مَيَّزَهُمْ بِهِ مِنَ الرِّيَاسَةِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الرِّجَالِ بِمُقْتَضَى كَفَالَةِ الرِّيَاسَةِ أَنْ يُعَلِّمُوهُنَّ مَا يُمَكِّنُهُنَّ مِنَ
الْقِيَامِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَيَجْعَلُ لَهُنَّ فِي النُّفُوسِ احْتِرَامًا يُعِينُ عَلَى الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِنَّ وَيُسَهِّلُ طَرِيقَهُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ بِحُكْمِ الطَّبْعِ يَحْتَرِمُ مَنْ يَرَاهُ مُؤَدَّبًا عَالِمًا بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَامِلًا بِهِ، وَلَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَهِنَهُ أَوْ يُهِينَهُ، وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ بَادِرَةٌ فِي حَقِّهِ رَجَعَ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّائِمَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ زَاجِرًا لَهُ عَنْ مِثْلِهَا.
خَاطَبَ اللهُ تَعَالَى النِّسَاءَ بِالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ كَمَا خَاطَبَ الرِّجَالَ، وَجَعَلَ لَهُنَّ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا جَعَلَهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ، وَقَرَنَ أَسْمَاءَهُنَّ بِأَسْمَائِهِمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَبَايَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنَاتِ كَمَا بَايَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَرَهُنَّ بِتَعَلُّمِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ كَمَا أَمَرَهُمْ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَا مَضَى بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَنَّهُنَّ مَجْزِيَّاتٌ عَلَى أَعْمَالِهِنَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَفَيَجُوزُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُحْرَمْنَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا عَلَيْهِنَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ لِرَبِّهِنَّ وَلِبُعُولَتِهِنَّ وَلِأَوْلَادِهِنَّ وَلِذِي الْقُرْبَى وَلِلْأُمَّةِ وَالْمِلَّةِ؟ الْعِلْمُ الْإِجْمَالِيُّ بِمَا يُطْلَبُ فِعْلُهُ شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ النَّفْسِ إِلَيْهِ، إِذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَجْهُولِ الْمُطْلَقِ وَالْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ بِهِ الْمُبَيِّنِ لِفَائِدَةِ فِعْلِهِ وَمَضَرَّةِ تَرْكِهِ يُعَدُّ سَبَبًا لِلْعِنَايَةِ بِفِعْلِهِ وَالتَّوَقِّي مِنْ إِهْمَالِهِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُؤَدِّينَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقَ مَعَ الْجَهْلِ بِهَا إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا؟ وَكَيْفَ تَسْعَدُ فِي الدُّنْيَا أَوِ الْآخِرَةِ أُمَّةٌ نَصِفُهَا كَالْبَهَائِمِ لَا يُؤَدِّي مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ وَلَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَهْلِهِ وَلَا لِلنَّاسِ؟ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَيَتْرُكُ الْبَاقِي، وَمِنْهُ إِعَانَةُ ذَلِكَ النِّصْفِ الضَّعِيفِ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ، أَوْ إِلْزَامِهِ إِيَّاهُ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنَ السُّلْطَةِ وَالرِّيَاسَةِ.
إِنَّ مَا يَجِبُ أَنْ تَعْلَمَهُ الْمَرْأَةُ مِنْ عَقَائِدِ دِينِهَا وَآدَابِهِ وَعِبَادَاتِهِ مَحْدُودٌ، وَلَكِنْ مَا يُطْلَبُ مِنْهَا لِنِظَامِ بَيْتِهَا وَتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَأَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ - إِنْ كَانَتْ فِي بَيْتٍ غَنِيٍّ وَنِعْمَةٍ - يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَحْوَالِ، كَمَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَى الرِّجَالِ، أَلَا تَرَى الْفُقَهَاءَ يُوجِبُونَ عَلَى الرَّجُلِ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةَ اللَّائِقَةَ بِحَالِ الْمَرْأَةِ؟ أَلَا تَرَى أَنَّ فُرُوضَ الْكِفَايَاتِ قَدِ اتَّسَعَتْ دَائِرَتُهَا؟ فَبَعْدَ أَنْ كَانَ اتِّخَاذُ السُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ وَالْقِسِيِّ
كَافِيًا فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْحَوْزَةِ صَارَ هَذَا الدِّفَاعُ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْمَدَافِعِ وَالْبَنَادِقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute