للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْبَوَارِجِ، وَعَلَى عُلُومٍ كَثِيرَةٍ صَارَتْ وَاجِبَةً الْيَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً وَلَا مَوْجُودَةً بِالْأَمْسِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ تَمْرِيضَ الْمَرْضَى وَمُدَاوَاةَ الْجَرْحَى كَانَ يَسِيرًا عَلَى النِّسَاءِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَصْرِ الْخُلَفَاءِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَقَدْ صَارَ الْآنَ مُتَوَقِّفًا عَلَى تَعَلُّمِ فُنُونٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَتَرْبِيَةٍ خَاصَّةٍ، أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَفْضَلُ فِي نَظَرِ الْإِسْلَامِ؟ أَتَمْرِيضُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا إِذَا هُوَ مَرِضَ أَمِ اتِّخَاذُ مُمَرِّضَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ تَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَتِهِ وَتَكْتَشِفُ مُخَبَّآتِ بَيْتِهِ؟ وَهَلْ يَتَيَسَّرُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُمَرِّضَ زَوْجَهَا أَوْ وَلَدَهَا إِذَا كَانَتْ جَاهِلَةً بِقَانُونِ الصِّحَّةِ وَبِأَسْمَاءِ الْأَدْوِيَةِ؟ نَعَمْ; قَدْ تَيَسَّرَ لِكَثِيرَاتٍ مِنَ الْجَاهِلَاتِ قَتْلُ مَرْضَاهُنَّ بِزِيَادَةِ مَقَادِيرِ الْأَدْوِيَةِ السَّامَّةِ أَوْ بِجَعْلِ دَوَاءٍ مَكَانَ آخَرَ.

رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ - وَصَحَّحَهُ - وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تَعَالَى وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (٦٦: ٦) عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ وَأَدِّبُوهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ النِّسَاءُ وَالْأَوْلَادُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَزَادَ بَعْضُهُمْ هُنَا الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ، وَهُوَ مِنْ: أَهَلَ الْمَكَانَ أُهُولًا: عَمَّرَ، وَأَهَلَ الرَّجُلُ وَتَأَهَّلَ تَزَوَّجَ، وَأَهْلُ الرَّجُلِ: زَوْجُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ مَعَهُ فِيهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْقَرَابَةُ. وَجَمْعُ الْأَهْلِ أَهْلُونَ، وَرُبَّمَا قِيلَ الْأَهَالِي (الْمِصْبَاحُ) وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَقِي نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ نَارَ الْآخِرَةِ بِتَعْلِيمِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ، فَهُوَ كَذَلِكَ يَقِيهِمْ بِذَلِكَ نَارَ الدُّنْيَا وَهِيَ الْمَعِيشَةُ الْمُنَغَّصَةُ بِالشَّقَاءِ وَعَدَمِ النِّظَامِ.

وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي حُقُوقِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مَا لَمْ يُحِلَّ الْعُرْفُ حَرَامًا أَوْ يُحَرِّمْ حَلَالًا مِمَّا عُرِفَ بِالنَّصِّ، وَالْعُرْفُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الْمَعْرُوفَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ حَقَّ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَلَّا تَمْنَعَهُ مِنْ نَفْسِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، وَحَقَّهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى إِلَخْ. وَقَالُوا: لَا يَلْزَمُهَا عَجْنٌ وَلَا خَبْزٌ وَلَا طَبْخٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ بَيْتِهِ أَوْ مَالِهِ وَمِلْكِهِ، وَالْأَقْرَبُ إِلَى هِدَايَةِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْحَنَابِلَةِ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمُقْنِعِ بَعْدَ ذِكْرِ

الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْجَوْزَجَانِيُّ: عَلَيْهَا ذَلِكَ وَاحْتَجَّا بِقَضِيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى ابْنَتِهِ بِخِدْمَةِ الْبَيْتِ وَعَلَى عَلِيٍّ مَا كَانَ خَارِجًا مِنَ الْبَيْتِ مِنْ عَمَلٍ. وَرَوَاهُ الْجَوْزَجَانِيُّ مِنْ طُرُقٍ، قَالَ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إِلَى جَبَلٍ أَحْمَرَ أَوْ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ لَكَانَ نَوْلُهَا (أَيْ: حَقُّهَا) أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ)) رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ. قَالَ: فَهَذَا طَاعَةٌ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَكَيْفَ بِمُؤْنَةِ مَعَاشِهِ؟ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْمَعْرُوفُ مِنْ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالصَّوَابُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُرْفِ الْبَلَدِ)) اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>