فِي الْآيَةِ يُرَادُ بِهِ نَوْعٌ مِنْهُ وَهُوَ الرَّجْعِيُّ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلَمْ يُذْكَرْ، وَقَدْ أَخَذُوهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُلَاعَنَةِ، وَالْآخَرُونَ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُلَاعَنَةَ تَقْتَضِي التَّفْرِيقَ فَالطَّلَاقُ بَعْدَهَا لَغْوٌ.
(أَقُولُ) : حَدِيثُ الْمُلَاعَنَةِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((قَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ قُرْآنًا فَأْتِ بِهَا)) فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنِينَ.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَكَانَ فِرَاقُهُ إِيَّاهَا سُنَّةً فِي الْمُتَلَاعِنِينَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَمِنْ هُنَا ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ، وَأَجَابَ عَنْهُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللِّعَانَ يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ بِنَفْسِهِ بِأَنَّ تَفْرِيقَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا هُوَ بَيَانُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ لَا إِنْشَاءُ تَفْرِيقٍ، وَعَلَى كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ لَا يُحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ فِي وُقُوعِ التَّطْلِيقِ الثَّلَاثِ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فَعَلَ عُوَيْمِرٌ إِذْ قَالَ: ((كَمَا فِي رِوَايَةٍ)) فَهِيَ الطَّلَاقُ فَهِيَ الطَّلَاقُ فَهِيَ الطَّلَاقُ. فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ بِاللَّفْظِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا طَلَاقًا مُكَرَّرًا صَادَفَ مَحَلًّا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيقَاعَهُ بِدْعِيًّا كَمَا أَنْكَرَ عَلَى الرَّجُلِ الْآخَرِ الَّذِي ذُكِرَ فِي حَدِيثِ النَّسَائِيِّ.
وَلِلْجُمْهُورِ أَحَادِيثُ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْهَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مِنْ أَدِلَّتِهِمْ لِضَعْفِهَا وَاضْطِرَابِهَا، أَشْهَرُهَا حَدِيثُ رُكَانَةَ، وَهُوَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ((أَلْبَتَّةَ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً فَأَعَادَ الْيَمِينَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعَادَهَا هُوَ فَرَدَّهَا إِلَيْهِ، وَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَسَأَلْتُ عَنْهُ مُحَمَّدًا; يَعْنِي الْبُخَارِيَّ، فَقَالَ: فِيهِ اضْطِرَابٌ، فَقِيلَ: طَلَّقَهَا ثَلَاثًا. وَقِيلَ: وَاحِدَةً. وَقِيلَ: أَلْبَتَّةَ، وَفِي إِسْنَادِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَاشِمِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: تَكَلَّمُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُضْطَرِبٌ كَمَا أَنَّهُ مَعَارَضٌ بِمَا يَأْتِي، وَرِوَايَةُ ثَلَاثًا فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِلرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، وَهِيَ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ لَا يَقَعُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ إِلَّا وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا، وَجَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةً، فَهُوَ بِاخْتِلَافِ رِوَايَاتِهِ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute