الْمَصَالِحِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَا تَعَبُّدِيَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ إِكْرَاهُ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوَاجِ بِمَنْ تَكْرَهُ مُطْلَقًا.
(ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الْوَعْظُ: النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ بِالْخَيْرِ وَالْحَقِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَرِقُّ لَهُ الْقَلْبُ وَيَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ; أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْحُدُودِ الْمَقْرُونَةِ بِالْحُكْمِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ يُوعَظُ بِهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي الْآخِرَةِ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَتَقَبَّلُونَهُ وَيَتَّعِظُونَ بِهِ فَتَخْشَعُ لَهُ قُلُوبُهُمْ، وَيَتَحَرَّوْنَ الْعَمَلَ بِهِ قَبُولًا لِتَأْدِيبِ رَبِّهِمْ، وَطَلَبًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَرَجَاءً فِي مَثُوبَتِهِ وَرِضْوَانِهِ فِي الْأُخْرَى، وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِمَا ذَكَرَ حَقَّ الْإِيمَانِ كَالْمُعَطِّلِينَ وَالْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْمَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَلَقَّوْا أُصُولَ الْإِيمَانِ بِالْبُرْهَانِ الَّذِي
يَمْلِكُ مِنَ الْقَلْبِ مَوَاقِعَ التَّأْثِيرِ وَمَسَالِكَ الْوِجْدَانِ، فَإِنَّ وَعْظَهُمْ بِهِ عَبَثٌ لَا يَنْفَعُ، وَقَوْلٌ لَا يُسْمَعُ; لِأَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ فِي مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ أَهْوَاءَهُمْ، وَيُقَلِّدُونَ مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ وَعُشَرَاءَهُمْ.
وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ يَقْتَضِي الْعَمَلَ وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذَا الْأَكْثَرُونَ، وَقَرَّرَهُ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ كَحُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَالْمُحَقِّقِ الشَّاطِبِيِّ وَالْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى. قَالَ شَيْخُنَا هُنَا: كَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَّعِظُ بِهَذَا، يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَّعِظْ وَيَعْمَلْ بِهَا فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الدِّينِ حَتَّى الْمُعَامَلَاتِ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَاقَ إِلَى النَّاسِ مَسَاقَ الْوَعْظِ الْمُحَرِّكِ لِلْقُلُوبِ لَا أَنْ تُسْرَدَ سَرْدًا جَافًّا كَمَا تَرَى فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
(ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) الزَّكَاءُ: النَّمَاءُ وَالْبَرَكَةُ فِي الشَّيْءِ، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي (ذَلِكُمْ) هُوَ النَّهْيُ عَنْ عَضَلِ النِّسَاءِ بِقَيْدِهِ وَشَرْطِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مَزِيدٌ فِي نَمَاءِ مُتَّبِعِيهِ وَصَلَاحِ حَالِهِمْ مَا بَعْدَهُ مَزِيدٌ يُفَضِّلُهُ، وَأَنَّهُ أَطْهَرُ لِأَعْرَاضِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ، وَأَحْفَظُ لِشَرَفِهِمْ وَأَحْسَابِهِمْ; لِأَنَّ عَضَلَ النِّسَاءِ وَالتَّضْيِيقَ عَلَيْهِنَّ مَدْعَاةٌ لِفُسُوقِهِنَّ وَمَفْسَدَةٌ لِأَخْلَاقِهِنَّ، وَسَبَبٌ لِفَسَادِ نِظَامِ الْبُيُوتِ وَشَقَاءِ الذَّرَارِي، مَثِّلْ فِي نَفْسِكَ حَالَ امْرَأَةٍ كَأُخْتِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ عَرَفَهَا وَعَرَفَتْهُ، فَأَحَبَّهَا وَأَحَبَّتْهُ، ثُمَّ غَضِبَ مَرَّةً وَطَلَّقَهَا، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ نَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ، وَأَحَبَّ أَنْ يَعُودَ إِلَى امْرَأَتِهِ الَّتِي تُحِبُّهُ، وَاعْتَادَتِ الْأُنْسَ بِهِ وَالسُّكُونَ إِلَيْهِ، فَعَضَلَهَا وَلَيُّهَا اتِّبَاعًا لِهَوَاهُ، وَاعْتِزَازًا بِسُلْطَتِهِ، أَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَضْيَعَةً لِوَلَدِهِمَا وَمَغْوَاةً لَهُمَا؟ وَمَثِّلْ أَيْضًا وَلِيًّا يَمْنَعُ مُوَلِّيَتَهُ مِنَ الزَّوَاجِ بِمَنْ تُحِبُّ وَيُزَوِّجُهَا بِمَنْ تَكْرَهُ اتِّبَاعًا لِهَوَاهُ أَوْ عَادَةِ قَوْمِهِ، كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ، وَانْظُرْ أَتَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ حَالُهُمَا وَيُقِيمَا حُدُودَ اللهِ بَيْنَهُمَا، أَمْ يُخْشَى أَنْ يُغْوِيَهَا الشَّيْطَانُ بِالْآخَرِ وَيُغْوِيَهُ بِهَا وَيَسْتَدْرِجَهُمَا فِي الْغِوَايَةِ فَلَا يَقِفَانِ إِلَّا عِنْدَ نِهَايَةِ حُدُودِهَا؟ وَهَكَذَا مَثِّلْ كُلَّ مُخَالَفَةٍ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ تَجِدُهَا مَفْسَدَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute