للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جمعُ حِلْسٍ - بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَبِالتَّحْرِيكِ - وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَا يَكُونُ عَلَى الظَّهْرِ تَحْتَ الْقَتَبِ أَوِ السَّرْجِ أَوِ الْبَرْذَعَةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْكِسَاءِ الرَّقِيقِ، وَعَلَى مَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ مِنْ مَسْحٍ وَنَحْوِهِ، وَالْحِفْشُ - بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ - الْبَيْتُ الصَّغِيرُ الْمُظْلِمُ دَاخِلَ الْبَيْتِ، وَيُسَمُّونَ مِثْلَهُ فِي الْحُجُرَاتِ الْآنَ ((خَزْنَةً)) وَالِاقْتِضَاضُ بِالدَّابَّةِ - بِالْقَافِ - هُوَ التَّمَسُّحُ بِهَا، قِيلَ: كَانَتْ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا، وَقِيلَ: مَا هُنَالِكَ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سَأَلْتُ الْحِجَازِيِّينَ عَنِ الِاقْتِضَاضِ فَذَكَرُوا أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ كَانَتْ لَا تَمَسُّ مَاءً وَلَا تُقَلِّمُ ظُفْرًا وَلَا تُزِيلُ شَعْرًا، ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَقْبَحِ مَنْظَرٍ ثُمَّ تَقْتَضُّ; أَيْ: تَكْسِرُ مَا كَانَتْ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِطَائِرٍ تَمْسَحُ بِهِ قُبُلَهَا فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ مَا تَقْتَضُّ بِهِ. اهـ.

وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ نَتَنِهَا، وَأَمَّا عَادَةُ مُرُورِ الْكَلْبِ وَرَمْيِ الْبَعْرَةِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ كَانَتْ فِي آخِرِ الْعِدَّةِ تَنْتَظِرُ مُرُورَ

الْكَلْبِ لِتَرْمِيَهِ بِالْبَعْرَةِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَقِيلَ: بَلْ تَرْمِي بِهَا مَا عَرَضَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَا فَعَلَتْهُ مِنَ التَّرَبُّصِ فِي تِلْكَ الْمَشَقَّةِ وَالْجُهْدِ هُوَ عِنْدَهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَعْرَةِ الَّتِي رَمَتْهَا احْتِقَارًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِحَقِّ زَوْجِهَا. وَقِيلَ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى رَمْيِ الْعِدَّةِ وَالتَّفَلُّتِ مِنْهَا. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ تَفَاؤُلٌ بِعَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَى مِثْلِهَا وَتَمَنِّي أَنْ تَمُوتَ فِي كَنَفِ مَنْ عَسَاهَا تَتَزَوَّجُ بِهِ.

إِذَا عَلِمْتَ هَذَا وَأَمْثَالَهُ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنَ الْعَادَاتِ السَّخِيفَةِ وَالْخُرَافَاتِ الشَّائِنَةِ الْمُهِينَةِ لِلْمَرْأَةِ، يَظْهَرُ لَكَ شَأْنُ مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ مِنَ الْإِصْلَاحِ فِي ذَلِكَ إِذْ جَعَلَ الْعِدَّةَ عَلَى نَحْوِ الثُّلُثِ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُحَرِّمْ فِيهَا إِلَّا الزِّينَةَ وَالطِّيبَ وَالتَّعَرُّضَ لِأَنْظَارِ الْخَاطِبِينَ مِنْ مُرِيدِي التَّزَوُّجِ، دُونَ النَّظَافَةِ وَالْجُلُوسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ مَعَ النِّسَاءِ وَالْمَحَارِمِ مِنَ الرِّجَالِ. وَهَذَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ الْإِسْلَامُ يَلِيقُ وَيَحْسُنُ فِي كُلِّ شَعْبٍ وَجِيلٍ فِي كُلِّ زَمَنٍ وَعَصْرٍ، لَا يَشُقُّ عَلَى بَدْوٍ وَلَا حَضَرٍ، وَقَدْ رَأَيْتَ أَنَّ سَعَةَ الدِّينِ وَتَكْرِيمَهُ لِلنِّسَاءِ قَدْ كَادَتْ تُنْسِي الْمُسْلِمَاتِ مَا لَمْ يَبْعُدِ الْعَهْدُ بِهِ مَنْ عَادَتِهِنَّ وَتَخْرُجُ بِهِنَّ مِنْ كُلِّ قَيْدٍ، حَتَّى اسْتَأْذَنَ مَنِ اسْتَأْذَنَ مِنْهُنَّ بِالْكُحْلِ بِحُجَّةِ الْخِيفَةِ عَلَى الْعَيْنِ مِنَ الْمَرَهِ أَوِ الرَّمَدِ حَتَّى ذَكَّرَهُنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ.

وَاسْتَشْكَلَ فِي الْحَدِيثِ الْمَنْعُ مِنَ الْكُحْلِ لِلتَّدَاوِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهَا: ((فَخَشَوْا عَلَى عَيْنِهَا)) مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا مِنِ انْتِفَاءِ الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ، وَمِنْ كَوْنِ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، وَكَوْنِ الضَّرَرِ وَالضِّرَارِ مَمْنُوعَيْنِ، وَمِنَ التَّرْخِيصِ فِي الْكُحْلِ لِلتَّدَاوِي بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ ; لِأَنَّ اللَّيْلَ أَبْعَدُ مِنْ مَظِنَّةِ الزِّينَةِ. فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ)) وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ ((فَتَكْتَحِلِينَ بِاللَّيْلِ وَتَغْسِلِينَهُ بِالنَّهَارِ)) وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ النَّهْيِ الْمُطْلَقِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>