حَمْلُهُ عَلَى كُحْلِ الزِّينَةِ كَأَنَّهُ عَلِمَ بِالْقَرِينَةِ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْهُ أَوْ لِأَجْلِهِ، وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا حَاجَةَ لِاسْتِيفَائِهِ هُنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ نَتَذَكَّرَ أَنَّ اللَّيْلَ صَارَ كَالنَّهَارِ فِي أَمْصَارِنَا أَوْ أَشَدَّ إِظْهَارًا لِلزِّينَةِ.
هَذَا مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ مِنَ الْإِصْلَاحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَمَنْ أَرَادَ الِاعْتِبَارَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى حَظِّ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ مِنْ هَدْيِهِ فِيهَا. الْمُسْلِمُونَ لَا يَسِيرُونَ الْيَوْمَ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا هُمْ طَرَائِقُ قِدَدٌ، فَمِنْ نِسَائِهِمْ مَنْ يَغْلُونَ فِي الْحِدَادِ، وَيُغْرِقْنَ فِي النَّوْحِ وَالنَّدْبِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْعَادَاتِ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَعِيشَةِ بِالْبُيُوتِ، حَتَّى يَزِدْنَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ يَكُونُ مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَيْسَ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ حَدٌّ وَلَا أَجَلٌ يَتَسَاوَيْنَ فِيهِمَا، وَلَا يَخْصُصْنَ الزَّوْجَ بِمَا خَصَّهُ بِهِ الشَّرْعُ، بَلْ رُبَّمَا حَدَدْنَ عَلَى الْوَلَدِ سَنَةً أَوْ سِنِينَ، وَرُبَّمَا تَرَكْنَ الْحِدَادَ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِيهِنَّ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالطَّبَقَاتِ وَالْبُيُوتِ، فَإِيَّاكُمْ نَسْأَلُ أَبْنَاءَ الْعَصْرِ الْجَدِيدِ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ أَنْفُسَهُمُ ارْتَقَتْ فِي الْمَدَنِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ إِلَى أُفُقٍ يَسْتَغْنُونَ فِيهِ عَنْ هَدْيِ الدِّينِ، هَلْ تَجِدُونَ لَنَا سَبِيلًا إِلَى إِصْلَاحِ هَذِهِ الْعَادَاتِ الرَّدِيئَةِ فِي الْحِدَادِ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ وَلَا نِظَامَ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ، بَلْ كُلُّهُ غَوَائِلُ بِمَا يُفْنِي مِنَ الْمَالِ فِي تَغْيِيرِ اللِّبَاسِ وَالْأَثَاثِ وَالرِّيَاشِ وَالْمَاعُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا يُفْسِدُ مِنْ آدَابِ الْمُعَاشَرَةِ وَيَسْلُبُ مِنْ هَنَاءِ الْمَعِيشَةِ، وَمَا يَفْعَلُ فِي صِحَّةِ الْكَثِيرِينَ، وَلَا سِيَّمَا ضِعَافُ الْمِزَاجِ وَأَهْلُ الْأَمْرَاضِ؟ أَصْلِحُوا لَنَا بِعُلُومِكُمْ وَفَلْسَفَتِكُمْ هَذِهِ الْعَادَاتِ الرَّدِيئَةِ بِإِرْجَاعِهَا إِلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ مِنَ الْحِدَادِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الْقَرِيبِ، وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا عَلَى الزَّوْجِ، وَيَجْعَلُ هَذَا الْحِدَادَ مَقْصُورًا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مِنَ الْبَيْتِ، أَوْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنْ لَا صَلَاحَ لَنَا إِلَّا بِالِاعْتِصَامِ بِهَدْيِ الدِّينِ الَّذِي تُحَارِبُونَهُ كُلَّ سَاعَةٍ بِأَعْمَالِكُمْ وَخِلَالِكُمْ، وَعَادَاتِكُمْ وَلَذَّاتِكُمْ، وَمَا تُحَارِبُونَ إِلَّا أَنْفُسَكُمْ وَمَا تَشْعُرُونَ.
(وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) مُحِيطٌ بِدَقَائِقِ عَمَلِكُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِذَا أَلْزَمْتُمُ النِّسَاءَ الْوُقُوفَ مَعَكُمْ عِنْدَ حُدُودِهِ أَصْلَحَ أَحْوَالَكُمْ، وَرَفَّهَ مَعِيشَتَكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَحْسَنَ جَزَاءَكُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أَخَذَكُمْ فِي الدَّارَيْنِ أَخْذًا وَبِيلًا. (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) (١٧: ٧٢) .
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ: أَنَّ الْفَصِيحَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الْمَوْتِ بِالتَّوَفِّي أَنْ يُقَالَ: تُوفِّيَ فُلَانٌ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَعَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ فِي الْآيَةِ: (يُتَوَفَّوْنَ)
وَقُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ عَنْ عَلِيٍّ (يَتَوَفَّوْنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَفُسِّرَ بِيَسْتَوْفُونَ آجَالَهُمْ، فَإِنَّ مَعْنَى التَّوَفِّي أَخْذُ الشَّيْءِ وَقَبْضُهُ وَافِيًا تَامًّا، وَكَانُوا يَعُدُّونَ التَّعْبِيرَ عَنِ الْمَيِّتِ بِالْمُتَوَفِّي بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ لَحْنًا; لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ لَا قَابِضٌ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ أَنَّهُ كَانَ خَلْفَ جَنَازَةٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute