للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ ((كُنَّا نَعُدُّهَا الْفَجْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ)) وَوَجْهُ مَا رَوَاهُ أَوَّلًا تَوَسُّطُهَا وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدَلْوِكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (١٧: ٧٨) فَقَدْ أَشَارَ فِي الْآيَةِ إِلَى الصَّلَوَاتِ، وَجَعَلَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ مَزِيَّةً خَاصَّةً بِهَا، وَهِيَ كَوْنُ قُرْآنِهَا مَشْهُودًا، وَوَرَدَ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ، وَفِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ تَشَارِكُ صَلَاةَ الْفَجْرِ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ، وَلِأَصْحَابِ الْأَقْوَالِ الْأُخْرَى فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَحَادِيثُ لَا تَصِلُ إِلَى دَرَجَةِ مَا وَرَدَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقِيلَ: هِيَ الْفَجْرُ، وَقِيلَ: هِيَ الظُّهْرُ كَمَا مَرَّ، وَقِيلَ: هِيَ الْمَغْرِبُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَبْهَمَ الصَّلَاةَ الْفُضْلَى الَّتِي ثَوَابُهَا أَكْثَرُ لِنُحَافِظَ عَلَى كُلِّ صَلَاةٍ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَلَوْلَا أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا إِحْدَى الْخَمْسِ لَكَانَ يَتَبَادَرُ إِلَى فَهْمِي مِنْ قَوْلِهِ: (وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى) أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْفِعْلُ، وَبِالْوُسْطَى الْفُضْلَى; أَيْ: حَافِظُوا عَلَى أَفْضَلِ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ; وَهِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي يَحْضُرُ فِيهَا الْقَلْبُ وَتَتَوَجَّهُ بِهَا النَّفْسُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَتَخْشَعُ لِذِكْرِهِ وَتَدَبُّرِ كَلَامِهِ، لَا صَلَاةُ الْمُرَائِينَ وَلَا الْغَافِلِينَ.

وَيُقَوِّي هَذَا قَوْلُهُ بَعْدَهَا: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فَهُوَ بَيَانٌ لِمَعْنَى الْفَضْلِ فِي الْفُضْلَى وَتَأْكِيدٌ لَهُ، إِذْ قَالُوا: إِنَّ فِي الْقُنُوتِ مَعْنَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الضَّرَاعَةِ وَالْخُشُوعِ; أَيْ: قُومُوا مُلْتَزِمِينَ لِخَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى وَاسْتِشْعَارِ هَيْبَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلَا تَكْمُلُ الصَّلَاةُ وَتَكُونُ حَقِيقِيَّةً يَنْشَأُ عَنْهَا مَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى مِنْ فَائِدَتِهَا إِلَّا بِهَذَا، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّفَرُّغِ مِنْ كُلِّ فِكْرٍ وَعَمَلٍ يَشْغَلُ عَنْ حُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ وَخُشُوعِهِ، لِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ.

أَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُحْدَثِينَ: إِنَّ لَفْظَ ((صَلَاةِ الْعَصْرِ)) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ مُدْرَجٌ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاوِي. قَالُوا: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهَا، وَأَيَّدُوا ذَلِكَ بِبَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ: ((شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ; يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ)) وَمَا قَالَهُ فِي الْقُنُوتِ هُوَ لِبَابِ الْأَقْوَالِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَوْصَلَهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى عَشَرَةٍ، نَظَمَهَا فِي قَوْلِهِ:

وَلَفْظُ الْقُنُوتِ اعْدُدْ مَعَانِيهِ تَجِدْ مَزِيدًا ... عَلَى عَشْرِ مَعَانِي مُرْضِيَةْ

دُعَاءٌ، خُشُوعٌ، وَالْعِبَادَةُ، طَاعَةٌ ... إِقَامَتُهَا إِقْرَارُنَا بِالْعُبُودِيَةْ

سُكُوتٌ، صَلَاةٌ، وَالْقِيَامُ، وَطُولُهُ ... كَذَاكَ دَوَامُ الطَّاعَةِ الرَّابِحُ النِّيَةْ

وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مَا عَدَا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: ((كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>