(٢: ١٥٢) أَوْ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالصَّلَاةِ نَفْسِهَا; أَيِ: احْفَظُوهَا تَحْفَظْكُمْ مِنَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ بِتَنْزِيهِ نُفُوسِكُمْ عَنْهُمَا، وَمِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ بِتَقْوِيَةِ نُفُوسِكُمْ عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) (٢: ٤٥) .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: قَالَ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) وَلَمْ يَقُلْ: احْفَظُوهَا; لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَدُلُّ عَلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمُقَاوَمَةِ، وَلَا يَظْهَرُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّ الْمُفَاعَلَةَ
لِلْمُشَارَكَةِ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَحْفَظُهُ كَمَا يَحْفَظُهَا، إِلَّا لَوْ كَانَتِ الْعِبَارَةُ حَافِظُوا الصَّلَوَاتِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: (عَلَى الصَّلَوَاتِ) أَيِ: اجْتَهَدُوا فِي حِفْظِهَا وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا اهـ. وَلَا يُرِيدُ الْأُسْتَاذُ بِهَذَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُحْفَظُ مِمَّا ذَكَرَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنَّ لَفْظَ (حَافِظُوا) لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الثَّابِتِ فِي نَفْسِهِ، وَالَّذِي أَفْهَمُهُ فِي الْمُفَاعَلَةِ فِي الشَّيْءِ هُوَ فِعْلُهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَمِنْهُ حَافَظَ عَلَيْهِ، وَوَاظَبَ عَلَيْهِ، وَدَوَامَ عَلَيْهِ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ (عَلَى) لِلتَّعْلِيلِ كَقَاتَلَهُ عَلَى الْأَمْرِ; أَيْ: لِأَجْلِهِ، فَالْمُقَاتَلَةُ فِيهِ لِلْمُشَارَكَةِ وَلَا يَصِحُّ هُنَا، وَحِفْظُ الصَّلَاةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِهَا كُلَّ مَرَّةٍ كَامِلَةَ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ الْعَمَلِيَّةِ، كَامِلَةَ الْآدَابِ وَالْمَعَانِي الْقَلْبِيَّةِ، فَالشَّيْءُ الَّذِي يُتَعَاهَدُ بِالْحِفْظِ دَائِمًا هُوَ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ النَّقْصُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا دَائِمًا.
وَالصَّلَوَاتُ هِيَ الْخَمْسُ الْمَعْرُوفَةُ بِبَيَانِ مَنْ بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، وَنُقِلَتْ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ الْعَمَلِيِّ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ جَمِيعِ الْفِرَقِ، فَهُمْ عَلَى تَفَرُّقِهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ جَاحِدَ صَلَاةٍ مِنَ الْخَمْسِ لَا يُعَدُّ مُسْلِمًا، عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَنْبَطُوا كَوْنَهَا خَمْسًا مِنْ ذِكْرِ الْوُسْطَى فِي الْجَمْعِ كَمَا فِي تَفْسِيرِ الرَّازِيِّ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْتِمَاسِ النُّكْتَةِ، وَمِنْ آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (٣٠: ١٧، ١٨) وَسَيَأْتِي بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَكَانُوا يُعَبِّرُونَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالتَّسْبِيحِ، وَيَقُولُونَ: سَبَّحَ الْغَدَاةَ مَثَلًا; أَيْ صَلَّى الْفَجْرَ.
وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى هِيَ إِحْدَى الْخَمْسِ، وَالْوُسْطَى مُؤَنَّثُ الْأَوْسَطِ، وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ لَهَا طَرَفَانِ مُتَسَاوِيَانِ، وَبِمَعْنَى الْأَفْضَلِ، وَبِكُلٍّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ قَائِلُونَ; وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الصَّلَوَاتِ أَفْضَلُ وَأَيَّتُهَا الْمُتَوَسِّطَةُ؟ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَوْلًا أَوْرَدَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي (نَيْلِ الْأَوْطَارِ) أَصَحُّهَا رِوَايَةً مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ كَوْنِهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ مَرْفُوعًا ((شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ)) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: ((مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ)) وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَصْرَ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا الظُّهْرُ لِأَنَّهُ شُغِلَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَنْهَا وَعَنِ الْعَصْرِ جَمِيعًا وَهِيَ مُتَوَسِّطَةٌ، وَكَانَتْ
تَشُقُّ عَلَيْهِمْ; لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْحَرِّ وَالْعَمَلِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute