للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَعْنَى الْعُبُودِيَّةِ، وَتَذَكُّرَ، عَظْمَةِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَنِعَمِ الرُّبُوبِيَّةِ، لِمَا فِي هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ مِنْ عَلَامَةِ الْخُضُوعِ وَالْخُرُوجِ، عَنِ الْمَأْلُوفِ، وَمَا شُرِعَ فِيهِمَا مِنْ تَسْبِيحِ اللهِ، وَتَذَكُّرِ عَظَمَتِهِ، وَعُلُوِّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ.

فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْكَ الْإِتْيَانُ بِبَعْضِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ عَنْكَ هَذِهِ الْعِبَادَةَ الْقَلْبِيَّةَ الَّتِي هِيَ رُوحُ الصَّلَاةِ، وَغَيْرَهَا، وَهِيَ الْإِقْبَالُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَاسْتِحْضَارُ سُلْطَانِهِ، مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنْ مُدَافَعَةِ الْخَوْفِ الطَّارِئِ مِنْ سَبُعٍ مُفْتَرِسٍ، أَوْ عَدُوٍّ مُغْتَالٍ، أَوْ لِصٍّ مُحْتَالٍ، وَكَيْفَ يَسْقُطُ طَلَبُ الصَّلَاةِ الْقَلْبِيَّةِ فِي حَالِ خَوْفٍ وَهُوَ يُسَاعِدُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ، أَوْ تَخْفِيفِ وَقْعِهِ؟ فَالْآيَةُ تُعَلِّمُنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَلَّا يُذْهِلَنَا عَنِ اللهِ تَعَالَى شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يَشْغَلَنَا عَنْهُ شَاغِلٌ، وَلَا خَوْفٌ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) أَيْ: فَصَلُّوا مُشَاةً أَوْ رَاكِبِينَ كَيْفَمَا اتَّفَقَ، وَهَذَا فِي حَالَةِ الْمُلَاحَمَةِ فِي الْقِتَالِ، أَوْ مُقَاوَمَةِ الْعَدُوِّ، وَدَفْعِ الصَّائِلِ، أَوِ الْفِرَارِ مِنَ الْأَسَدِ ; أَيْ: مُمَارَسَةِ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ الصَّلَاةِ صَلَّى الْمُكَلَّفُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ صَلَاتِهِ الْكَرُّ، وَالْفَرُّ، وَلَا الطَّعْنُ، وَالضَّرْبُ، وَيَأْتِي مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ بِمَا

يَأْتِي مَعَ الْحُضُورِ وَالذِّكْرِ، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَلَا يَلْتَزِمُ التَّوَجُّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَأَمَّا صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ كَصَلَاةِ الْجُنْدِ الْمُعَسْكِرِ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ جَمَاعَةً فَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

(فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) أَيْ: زَالَ خَوْفُكُمْ وَاطْمَأْنَنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ ; لِأَنَّهُ عَلَّمَكُمْ كَيْفَ تَعْبُدُونَهُ وَتُصَلُّونَ لَهُ فِي حَالِ الْخَوْفِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَوْنًا لَكُمْ عَلَى دَفْعِهِ; أَيْ: تَذَكَّرُوا نِعَمَهُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا التَّعْلِيمِ وَاشْكُرُوهُ لَهُ، هَذَا إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْكَافَ لِلتَّعْلِيلِ، وَإِذَا قُلْنَا: إِنِ الْكَافَ لِلْبَدَلِيَّةِ فَالْمَعْنَى: فَاذْكُرُوهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي عَلَّمَكُمْ إِيَّاهَا مِنْ قَبْلُ; أَيْ: فَصَلُّوا عَلَى السُّنَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْأَمْنِ بِإِتْمَامِ الْقِيَامِ، وَالِاسْتِقْبَالِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ.

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>