للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا يُعْطِيهِ الْأُسْلُوبُ مِنَ التَّرْغِيبِ - فَمَا هَذَا الْوَجْهُ؟ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْفُقَرَاءَ عِيَالُ اللهِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ; لِأَنَّ الْحَاجَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُمْ يَقْضِيهَا

الْأَغْنِيَاءُ; وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ عَيَّالُ اللهِ: أَنَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْفَاقَةِ وَالْعَوْزِ إِنَّمَا كَانَ بِالْجَرْيِ عَلَى سُنَنِ اللهِ فِي أَسْبَابِ الْفَقْرِ، وَلِلْفَقْرِ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الضَّعْفُ وَالْعَجْزُ عَنِ الْكَسْبِ وَمِنْهَا إِخْفَاقُ السَّعْيِ، وَمِنْهَا الْبِطَالَةُ وَالْكَسَلُ، وَمِنْهَا الْجَهْلُ بِالطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ، وَمِنْهَا مَا تَسُوقُهُ الْأَقْدَارُ مِنْ نَحْوِ حَرَكَاتِ الرِّيَاحِ وَاضْطِرَابِ الْبِحَارِ وَاحْتِبَاسِ الْأَمْطَارِ، وَكَسَادِ التِّجَارَةِ وَرُخْصِ الْأَسْعَارِ، وَالْأَغْنِيَاءُ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ إِزَالَةِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ أَوْ تَدَارُكِ ضَرَرِهَا وَإِضْعَافِ أَثَرِهَا، كَإِزَالَةِ الْبِطَالَةِ بِإِحْدَاثِ أَعْمَالٍ وَمَصَالِحٍ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِزَالَةِ الْجَهْلِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَالتَّرْبِيَةِ - تَعْلِيمِ طُرُقِ الْكَسْبِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى الْعَمَلِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالصِّدْقِ - وَإِذَا كَانَ فَقَرُ الْفَقِيرِ إِنَّمَا هُوَ بِالْجَرْيِ عَلَى سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ اللهِ فَإِزَالَةُ سَبَبِ فَقْرِهِ أَوْ مُسَاعَدَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ إِنَّمَا يَجْرِي عَلَى سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِهِ تَعَالَى أَيْضًا كَمَا أَنَّ غِنَى الْغَنِيِّ كَذَلِكَ، فَالْإِنْفَاقُ لِإِحْيَاءِ سُنَّةِ اللهِ وَمُسَاعَدَةِ مَنْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُمْ عِيَالُهُ - إِذْ لَا غِنَى لَهُمْ بِكَسْبِهِمْ وَلَا حَوْلَ لَهُمْ وَلَا قُوَّةَ - يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَاضِ لَهُ تَعَالَى، فَالْفُقَرَاءُ عِيَالٌ، وَاللهُ يَعُولُهُمْ بِأَيْدِي الْأَغْنِيَاءِ، وَيَعُولُ الْأَغْنِيَاءَ بِتَوْفِيقِهِمْ لِأَسْبَابِ الْغِنَى.

أَقُولُ: هَكَذَا وَجَّهَ الْعِبَارَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ قَالَ: إِنَّ الْحَثَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُرَادُ بِهِ الْإِنْفَاقُ فِي الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، لَا مُوَاسَاةُ الْفَقِيرِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ صِحَّةَ التَّعْبِيرِ فِي نَفْسِهِ حَيْثُمَا وَرَدَ وَإِنِ اسْتُعْمِلَ فِي مَقَامٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ: (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (٦٤: ١٧) وَدَخَلَ فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَهُوَ يَنْطَبِقُ عَلَى سَائِرِهَا; فَإِنَّ الْقِتَالَ لِحِمَايَةِ

الدِّينِ وَتَأْمِينِ دَعْوَتِهِ وَلِلدِّفَاعِ عَنِ الْأَنْفُسِ وَالْبِلَادِ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>