للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِيصَالِهَا إِلَى جَرَائِدِهِمْ، كَمَا تَفْعَلُ شَرِكَاتُ الْبَرْقِيَّاتِ (التِّلِغْرَافَاتِ) فِي إِنْبَاءِ الْمُشْتَرِكِينَ فِيهَا، وَكُنَّا نَرَى وَسَائِلَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْخِلَافِ وَالتَّنَاقُضِ مَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْعِلْمُ بِالْحَقِيقَةِ، وَكَمْ مِنْ رِسَالَةٍ لِلشَّرِكَاتِ الْبَرْقِيَّةِ وَلِمُكَاتِبِي الْجَرَائِدِ كَانَتْ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا فَتَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ كَذِبُهَا.

فَهَذِهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الثِّقَةِ بِجُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي عَصْرِنَا وَيُعْنَى الْمُؤَرِّخُونَ أَشَدَّ الْعِنَايَةِ بِضَبْطِهَا، إِلَّا مَا يَبْلُغُ رُوَاتُهُ الْمُتَّفِقُونَ عَلَيْهِ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ الصَّحِيحِ وَقَلِيلٌ مَا هُوَ، فَمَا بَالُكَ بِمَا كَانَ فِي الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ؟

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ فِي قَصَصِ الَّذِينَ خَلَوْا هِيَ مُنْتَهَى الْحِكْمَةِ، وَمَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ الْأُمِّيِّ النَّاشِئِ فِي تِلْكَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُمِّيَّةِ أَنْ يَرْتَقِيَ إِلَيْهَا بِفِكْرِهِ وَقَدْ جَهِلَهَا الْحُكَمَاءُ فِي عَصْرِهِ وَقَبْلَ عَصْرِهِ، وَلَكِنَّهَا هِدَايَةُ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ أَوْحَاهَا إِلَى صَفْوَتِهِ مِنْهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ) (٧: ٤٣) فَعَلَيْنَا وَقَدْ ظَهَرَتِ الْآيَةُ وَوَضَحَتِ السَّبِيلُ أَلَّا نَلْتَفِتَ إِلَى رِوَايَاتِ الْغَابِرِينَ فِي تِلْكَ الْقِصَصِ، وَلَا نَعُدَّ مُخَالَفَتَهَا

لِلْقُرْآنِ شُبْهَةً نُبَالِي بِكَشْفِهَا كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَوَّحَ اللهُ رُوحَهُ فِي مَقَامِ الرِّضْوَانِ.

(فَإِنْ قِيلَ) : إِنَّ قِصَصَ الْعَهْدَيْنِ الْعَتِيقِ وَالْجَدِيدِ الَّتِي يُسَمَّى مَجْمُوعُهَا (الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ) هِيَ وَحْيٌ مِنَ اللهِ شَهِدَ لَهَا الْقُرْآنُ وَهِيَ تُعَارِضُ بَعْضَ قِصَصِهِ.

(قُلْنَا) أَوَّلًا: إِنَّ تِلْكَ الْكُتُبَ لَيْسَ لَهَا أَسَانِيدُ مُتَّصِلَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ. ثَانِيًا: إِنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا أَثْبَتَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْطَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ التَّوْرَاةَ وَهِيَ الشَّرِيعَةُ، وَأَنَّ أَتْبَاعَهُ قَدْ حَفِظُوا مِنْهَا نَصِيبًا وَنَسُوا نَصِيبًا، وَأَنَّهُمْ حَرَّفُوا النَّصِيبَ الَّذِي أُوتُوهُ، وَأَنَّهُ أَعْطَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْإِنْجِيلَ - وَهُوَ مَوَاعِظُ وَبِشَارَةٌ - وَقَالَ فِي أَتْبَاعِهِ مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْيَهُودِ: (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) (٥: ١٤) .

وَيَجِدُ الْقَارِئُ تَفْصِيلَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ وَالْأَعْرَافِ بِالنُّقُولِ مِنْ تَارِيخِ الْفَرِيقَيْنِ.

بَعْدَ هَذَا نَقُولُ: إِنَّ وَجْهَ الِاتِّصَالِ بَيْنَ آيَاتِ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا نَزَلَتْ فِي شَرْعِ الْقِتَالِ لِحِمَايَةِ الْحَقِيقَةِ وَإِعْلَاءِ شَأْنِ الْحَقِّ، وَبَذْلِ الْمَالِ فِي هَذِهِ السَّبِيلِ، سَبِيلِ اللهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>