للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِتَغْيِيرِهِمْ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَفِي سَلْبِ مُلْكِ الظَّالِمِينَ وَإِيرَاثِ الْأَرْضِ لِلصَّالِحِينَ، وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَاتِ وَأَمْثَالِهَا مُشَاهَدٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَأَيْنَ الْمُبْصِرُونَ؟ ! (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ) (٢١: ٤٤) أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا دَعْوَةَ الْأَنْبِيَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) (٢٦: ١٥٠ - ١٥٢) أَيَظُنُّ الْمُسْلِمُ الْغَافِلُ أَنَّ مَشِيئَةَ اللهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) (٣: ٢٦) هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مُخَالَفَةِ سُنَنِهِ الَّتِي بَيَّنَتْهَا الْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ؟ بَلْ أَقُولُ وَلَا أَخْشَى فِي الْحَقِّ لَوْمَةَ لَائِمٍ: أَيَظُنُّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ تَنَازُعَ الْأُمَمِ وَالدُّوَلِ عَلَى مَمَالِكِهِمْ وَسَلْبِهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ مُخَالِفٌ لِعَدْلِ اللهِ الْعَامِّ وَسُنَنِهِ الْحَكِيمَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ؟ كَلَّا إِنَّهُ تَعَالَى مَا فَرَّطَ فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ، وَلَكِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ فَرَّطُوا فَذَاقُوا جَزَاءَ تَفْرِيطِهِمْ، فَإِنْ تَابُوا وَأَصْلَحُوا تَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَقَدَ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ.

(التَّاسِعَةُ) أَنَّ طَاعَةَ الْجُنُودِ لِلْقَائِدِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ شَرْطٌ فِي الظَّفْرِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَمْرِ، وَقَوَانِينُ الْجُنْدِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى طَاعَةِ الْجَيْشِ لِقُوَّادِهِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَالْمَعْقُولِ وَغَيْرِ الْمَعْقُولِ، فَإِذَا أَمَرَ الْقَائِدُ بِتَسْلِيمِ الدِّيَارِ أَوِ الْأَمْوَالِ أَوِ الْأَنْفُسِ لِلْأَعْدَاءِ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا فِي قَانُونِ كُلِّ دَوْلَةٍ، نَعَمْ; إِنَّهُمْ قَرَنُوا بِهَذَا الْحَقِّ لِلْقَائِدِ إِيجَابَهُمْ عَلَيْهِ أَنْ يُبْرِمَ الْأُمُورَ بِاسْتِشَارَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ فِي الْفُنُونِ الْعَسْكَرِيَّةِ، وَهُمُ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمْ أَرْكَانَ الْحَرْبِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ وَرَئِيسَهُمُ مُقَيَّدُونَ بِدُسْتُورِ الدَّوْلَةِ الْعَامِّ، وَبِمُوَافَقَةِ مَجْلِسِ نُوَّابِ الْأُمَّةِ عَلَى مَا نَصَّ الدُّسْتُورُ عَلَى وُجُوبِ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ يُحَاكَمُ وَيُعَاقَبُ.

(الْعَاشِرَةُ) أَنَّ الْفِئَةَ الْقَلِيلَةَ قَدْ تَغْلِبُ - بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وَطَاعَةِ الْقُوَّادِ - الْفِئَةَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي أَعْوَزَهَا الصَّبْرُ وَالِاتِّحَادُ، مَعَ طَاعَةِ الْقُوَّادِ; لِأَنَّ نَصْرَ اللهِ مَعَ الصَّابِرِينَ; أَيْ جَرَتْ سُنَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ النَّصْرُ أَثَرًا لِلثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَزَعِ وَالْجُبْنِ هُمْ أَعْوَانٌ لِعَدُوِّهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَهُوَ كَثِيرٌ لَا مُطَّرِدٌ كَمَا جَاءَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللهِ تَعَالَى وَالتَّصْدِيقَ بِلِقَائِهِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ فِي مَوَاقِفِ الْجِلَادِ; فَإِنَّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِأَنَّ لَهُ إِلَهًا غَالِبًا عَلَى أَمْرِهِ يَمُدُّهُ بِمَعُونَتِهِ الْإِلَهِيَّةِ كَمَا أَمَدَّهُ بِالْقُوَى الرُّوحِيَّةِ وَالْجَسَدِيَّةِ، فَإِذَا ظَفَرَ بِإِذْنِهِ كَانَ مُصْلِحًا فِي الْأَرْضِ مُسْتَعْمِرًا فِيهَا، وَإِذَا قَبَضَهُ إِلَيْهِ بِانْتِهَاءِ أَجَلِهِ الْمُسَمَّى كَانَ فِي رَحْمَتِهِ نَاعِمًا فِيهَا، لَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَسْتَخِفَّ بِالْأَهْوَالِ، وَيَثْبُتَ فِي الْقِتَالِ ثَبَاتَ الْأَجْبَالِ، وَقَدْ وَافَقْنَا كِتَابَ الْإِفْرِنْجِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَصَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ أَسْبَابِ ثَبَاتِ الْبُوَيْرِ وَبَلَائِهِمْ فِي حَرْبِهِمْ لِلْإِنْجِلِيزِ كَوْنَهُمْ أَقْوَى إِيمَانًا وَأَرْسُخَ عَقِيدَةً، وَجَمِيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>