للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَتَى شَاءَ، وَهَذَا الْإِعْلَامُ هُوَ التَّكْلِيمُ وَالْوَحْيُ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا الْبَحْثُ عَنْ كَيْفِيَّةِ كَلَامِهِ الْقَدِيمِ، وَلَا عَنْ كَيْفِيَّةِ تَكْلِيمِهِ رُسُلَهُ وَإِيحَائِهِ إِلَيْهِمْ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الدَّرْسِ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَهُ إِلَّا النَّبِيُّ الْمُكَلَّمُ، فَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَبْحَثَ فِيهِ وَنُحَاوِلَ الْوُقُوفَ عَلَى كُنْهِهِ، حَتَّى إِنَّ النَّبِيَّ الْمُكَلَّمَ نَفْسَهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُفْهِمَهُ لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِبَارَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ: يَعْنِي أَنَّ مَا كَانَ لِلرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - مِنْ تَكْلِيمِ اللهِ وَمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْوِجْدَانِ وَالشُّعُورِ النَّفْسِيِّ، كَالشُّعُورِ بِالسُّرُورِ وَاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ، فَلَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْخَوَاطِرِ، وَلَا نَزِيدُ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ فِي هَذَا الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِّ الْأَقْدَامِ وَالْأَقْلَامِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِكَلَامِ اللهِ - تَعَالَى - وَوَحْيِهِ مَعَ تَنْزِيهِهِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِنَا مَا يُوهِمُ خِلَافَ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ فَهُوَ مِنْ عَثَرَاتِ الْقَلَمِ الضَّعِيفِ فِي الْبَيَانِ، لَا مِنْ شُذُوذٍ عَنْ صِرَاطِ اللهِ الْمُسْتَقِيمِ فِي الْإِيمَانِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ فَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ

الْمُرَادَ بِهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَيَّدَهُ.

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ الْأُسْلُوبَ يُؤَيِّدُهُ وَيَقْتَضِيهِ ; أَيْ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي بَيَانِ الْعِبْرَةِ لِلْأُمَمِ الَّتِي تَتَّبِعُ الرُّسُلَ، وَالتَّشْنِيعِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ وَاقْتِتَالِهِمْ مَعَ أَنَّ دِينَهُمْ وَاحِدٌ فِي جَوْهَرِهِ، وَالْمَوْجُودُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمُونَ، فَالْمُنَاسِبُ تَخْصِيصُ رُسُلِهِمْ بِالذِّكْرِ، وَلَعَلَّ ذِكْرَ آخِرِهِمْ فِي الْوَسَطِ لِلْإِشْعَارِ بِكَوْنِ شَرِيعَتِهِ وَكَذَا أُمَّتِهِ وَسَطًا.

أَقُولُ: وَمِنْ هَذِهِ الدَّرَجَاتِ مَا هُوَ خُصُوصِيَّةٌ فِي نَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي كِتَابِهِ وَشَرِيعَتِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي أُمَّتِهِ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ تُنْبِئُ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الْقَلَمِ:

وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [٦٨: ٤] وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ نِعَمَهُ عَلَى أَشْهَرِهِمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [٢١: ١٠٧] وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ هَذَا فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ.

وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ سَبَأٍ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [٣٤: ٢٨] وَقَالَ - تَعَالَى - فِي فَضْلِ الْقُرْآنِ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [١٧: ٩] الْآيَاتِ. وَقَالَ فِيهَا: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [١٧: ٨٨] وَقَالَ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ: اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ [٣٩: ٢٣] الْآيَةَ. وَقَالَ فِيهَا: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [٣٩: ٥٥] الْآيَةَ. وَقَالَ: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [١٦: ٨٩] وَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>