للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَبِهَا يُفَسَّرُ الْمُجْمَلُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ بِإِيضَاحٍ، وَحَسْبُكَ هُنَا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الذَّنْبَ الْمَغْفُورَ: هُوَ الَّذِي يُوَفِّقِ اللهُ صَاحِبَهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ يَغْلِبُ أَثَرُهُ فِي النَّفْسِ، وَالْجَاهِلُ بِهَدْيِ الْكِتَابِ يَحْسَبُ أَنَّ الْأَمْرَ فَوْضَى، وَالْكَيْلَ جُزَافٌ وَيُمَنِّي نَفْسَهُ بِالْمَغْفِرَةِ عَلَى إِصْرَارِهِ وَإِقَامَتِهِ عَلَى أَوْزَارِهِ، أَلَمْ يَقْرَأْ فِي دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [٤٠: ٧ - ٩] وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: شَأْنُ اللهِ - تَعَالَى - فِي الْمُحَاسَبَةِ أَنْ يُذَكِّرَ الْإِنْسَانَ أَوْ يَسْأَلَهُ: لِمَ فَعَلْتَ؟ فَبَعْدَ أَنْ يَرَى الْعَبْدُ أَعْمَالَهُ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ يَغْفِرُ أَوْ يُعَذِّبُ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ تَصِلْ أَعْمَالُهُ الْمُنْكَرَةُ إِلَى أَنْ تَكُونَ مَلَكَاتٍ لَهُ فَاللهُ - سُبْحَانَهُ - يَغْفِرُهَا لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ مَلَكَاتٍ لَهُ فَهُوَ يُعَاقِبُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ. وَقَدْ يَظُنُّ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ أَنَّ فِي هَذَا سَبِيلًا لِلْمُرُوقِ مِنَ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَغْفِرَةِ وَالتَّعْذِيبِ مَوْكُولٌ لِلْمَشِيئَةِ، وَالرَّجَاءُ فِيهِ أَكْبَرُ وَهَذَا ضَلَالٌ عَنْ فَهْمِ الْكِتَابِ بِالْمَرَّةِ، فَالْآيَةُ إِنْذَارٌ وَتَخْوِيفٌ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعٌ لِلْقَطْعِ بِمَغْفِرَةِ ذَنْبٍ مَا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَقُولُ: وَقَدْ ذَكَّرَنِي قَوْلُهُ بِكَلِمَةٍ لِأَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ.

قَالَ: " وَقَدْ أَبْهَمْتَ الْأَمْرَ عَلَيْنَا نَرْجُو وَنَخَافُ فَآمِنْ خَوْفَنَا وَلَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا " وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الدُّعَاءِ، وَقَدْ قَرَّرَ مَا ذُكِرَ مِنْ تَعْلِيقِ الْأَمْرِ بِالْمَشِيئَةِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ فَهُوَ بِقُدْرَتِهِ يُنَفِّذُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ مَشِيئَتُهُ، فَنَسْأَلُهُ الْعِنَايَةَ

وَالتَّوْفِيقَ وَالْهِدَايَةَ لِأَقْوَمِ طَرِيقٍ.

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>