للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَبَرِهِ وَنَعْتِهِ، وَهَذَا مَعْرِفَةُ الْكَلَامِ وَمَعْنَاهُ وَتَفْسِيرُهُ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُ مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ، فَالْمَعْرِفَةُ بِعَيْنِهِ مَعْرِفَةُ تَأْوِيلِ ذَلِكَ الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ قَدْ يَعْرِفُ الْحَجَّ وَالْمَشَاعِرَ كَالْبَيْتِ وَالْمَسَاجِدِ وَمِنًى وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَيَفْهَمُ مَعْنَى ذَلِكَ وَلَا يَعْرِفُ الْأَمْكِنَةَ حَتَّى يُشَاهِدَهَا

فَيَعْرِفَ أَنَّ الْكَعْبَةَ الْمُشَاهَدَةَ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [٣: ٩٧] وَكَذَلِكَ أَرْضُ عَرَفَاتٍ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ [٢: ١٩٨] وَكَذَلِكَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ الَّتِي بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ يُعْرَفُ أَنَّهَا الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [٢: ١٩٨] وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا يَرَاهَا الرَّجُلُ وَيَذْكُرُ لَهُ الْعَابِرُ تَأْوِيلَهَا فَيَفْهَمُهُ وَيَتَصَوَّرُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَيَكُونُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا، لَيْسَ تَأْوِيلُهَا نَفْسَ عِلْمِهِ وَتَصَوُّرِهِ وَكَلَامِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ [١٢: ١٠٠] وَقَالَ: لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا [١٢: ٣٧] فَقَدْ أَنْبَأَهُمَا بِالتَّأْوِيلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ التَّأْوِيلُ وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَتَى يَقَعُ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ تَأْوِيلَ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْرِفُ مَتَى يَقَعُ هَذَا التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [٧: ٥٣] " الْآيَةَ ".

(أَقُولُ) ثُمَّ إِنَّهُ - رَحِمَهُ اللهُ - أَطَالَ فِي الْبَيَانِ وَالشَّوَاهِدِ وَاحْتَجَّ بِالْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَحُثُّ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَعَلَى الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالْفِقْهِ فِيهِ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ اللهَ - تَعَالَى - لَمْ يَنْفِ عَنْ غَيْرِهِ عِلْمَ شَيْءٍ إِلَّا إِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا بِهِ، وَذَكَرَ الْآيَاتِ الشَّاهِدَةَ بِذَلِكَ. وَمِنْهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَالْغَيْبِ فَمَنْ أَرَادَ التَّفْصِيلَ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ.

(آيَاتُ وَأَحَادِيثُ الصِّفَاتِ) اعْلَمْ أَنَّ مَا تَلَقَّيْنَاهُ فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ الَّتِي تُقْرَأُ لِلْمُبْتَدِئِينَ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ كَالْجَوْهَرَةِ وَالسَّنُوسِيَّةِ الصُّغْرَى وَمَا كُتِبَ عَلَيْهِمَا مِنْ شُرُوحٍ وَحَوَاشٍ هُوَ أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي الصِّفَاتِ مَذْهَبَيْنِ: مَذْهَبُ السَّلَفِ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِظَاهِرِهَا مَعَ تَنْزِيهِ اللهِ - تَعَالَى - عَمَّا يُوهِمُهُ ذَلِكَ الظَّاهِرُ وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ فِيهِ إِلَى اللهِ - تَعَالَى -، وَمَذْهَبُ الْخَلَفِ وَهُوَ تَأْوِيلُ مَا وَرَدَ مِنَ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ بِحَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ أَوِ الْكِتَابَةِ لِيَتَّفِقَ النَّقْلُ مَعَ الْعَقْلِ. وَقَالُوا: إِنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ أَسْلَمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمُتَشَابِهُ غَيْرَ مُرَادِ اللهِ - تَعَالَى -، وَمَذْهَبُ الْخَلَفِ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ النُّصُوصَ جَمِيعَهَا وَيَحْمِلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، فَلَا

يَكُونُ صَاحِبُهُ مُضْطَرِبًا فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ. وَقَالُوا: إِنَّ الْخِلَافَ فِي التَّأْوِيلِ وَالتَّفْوِيضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ هَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>