للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمِ الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَالرَّاسِخُونَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ إِلَخْ هَذَا مُلَخَّصُ مَا يُلَقَّنُ الطُّلَّابُ فِي هَذَا الْعَصْرِ، كَتَبْنَاهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاجِعَةٍ لِهَذِهِ الْكُتُبِ الْقَاصِرَةِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا بَعْضُ الدَّارِسِينَ فَلْيُرَاجِعْهَا مَنْ شَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْجَوْهَرَةِ لِلْبَاجُورِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ:

وَكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَا ... أَوِّلْهُ أَوْ فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيهًا

وَكُنَّا نَظُنُّ فِي أَوَائِلِ الطَّلَبِ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ ضَعِيفٌ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُأَوِّلُوا كَمَا أَوَّلَ الْخَلَفُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا مَبْلَغَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ لَا سِيَّمَا الْحَنَابِلَةُ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ. وَلَمَّا تَغَلْغَلْنَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَظَفِرْنَا بَعْدَ النَّظَرِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي هِيَ مُنْتَهَى فَلْسَفَةِ الْأَشَاعِرَةِ فِي الْكَلَامِ بِالْكُتُبِ الَّتِي تُبَيِّنُ مَذْهَبَ السَّلَفِ حَقَّ الْبَيَانِ لَا سِيَّمَا كُتُبُ ابْنِ تَيْمِيَةَ عَلِمْنَا عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَيْسَ وَرَاءَهُ غَايَةٌ وَلَا مَطْلَبٌ وَأَنَّ كُلَّ مَا خَالَفَهُ فَهُوَ ظُنُونٌ وَأَوْهَامٌ لَا تُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى مَذْهَبٍ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ النَّصِّ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي إِذَا صُرِفَ عَنْ ظَاهِرِهِ يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَعْنًى وَاحِدٌ مِنَ الْمَجَازِ وَبَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى، فَأَوْجَبَ تَأْوِيلَ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النَّاسَ قِسْمَانِ: مُثْبِتُونَ لِلصِّفَاتِ وَنَافُونَ لَهَا، وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلُ الْأَثَرِ مُثْبِتُونَ مُفَوِّضُونَ، وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ نُفَاةٌ مُؤَوِّلُونَ. قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي مَبْحَثِ الصِّفَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مِنْ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: " وَمِنْهَا مَا وَرَدَ بِهِ ظَاهِرُ الشَّرْعِ وَامْتَنَعَ حَمْلُهَا عَلَى مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ مِثْلُ الِاسْتِوَاءِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠: ٥] وَالْيَدِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [٤٨: ١٠] ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨: ٧٥] وَالْوَجْهُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [٥٥: ٢٧] وَالْعَيْنُ فِي قَوْلِهِ: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [٢٠: ٣٩] ، وَتَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [٥٤: ١٤] فَعَنِ الشَّيْخِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا صِفَةٌ زَائِدَةٌ، وَعَنِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّيْخِ أَنَّهَا مَجَازَاتٌ، فَالِاسْتِوَاءُ مَجَازٌ عَنِ الِاسْتِيلَاءِ أَوْ تَمْثِيلٌ وَتَصْوِيرٌ لِعَظَمَةِ اللهِ - تَعَالَى -، وَالْيَدُ مَجَازٌ عَنِ الْقُدْرَةِ، وَالْوَجْهُ عَنِ الْوُجُودِ، وَالْعَيْنُ عَنِ الْبَصَرِ. فَإِنْ قِيلَ:

جُمْلَةُ الْمُكَوِّنَاتِ مَخْلُوقَةٌ بِقُدْرَةِ اللهِ - تَعَالَى - فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ خَلْقِ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِيَّمَا بِلَفْظِ الْمُثَنَّى؟ وَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: بِأَعْيُنِنَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ أُرِيدَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ وَتَخْصِيصُ آدَمَ تَشْرِيفٌ لَهُ وَتَكْرِيمٌ. وَمَعْنَى تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا أَنَّهَا تَجْرِي بِالْمَكَانِ الْمُحِيطِ بِالْكِلَاءَةِ وَالْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ، يُقَالُ: فُلَانٌ بِمَرْأًى مِنَ الْمَلِكِ وَمَسْمَعٍ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ تَحُوطُهُ عِنَايَتُهُ وَتَكْتَنِفُهُ رِعَايَتُهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْأَعْيُنُ الَّتِي انْفَجَرَتْ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ بَعِيدٌ. وَفِي كَلَامِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءَ الْبَيَانِ أَنَّ قَوْلَنَا الِاسْتِوَاءُ مَجَازٌ عَنِ الِاسْتِيلَاءِ، وَالْيَدُ وَالْيَمِينُ عَنِ الْقُدْرَةِ، وَالْعَيْنُ عَنِ الْبَصَرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ وَهْمِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ بِسُرْعَةٍ وَإِلَّا فَهِيَ تَمْثِيلَاتٌ وَتَصْوِيرَاتٌ لِلْمَعَانِي الْعَقْلِيَّةِ بِإِبْرَازِهَا فِي الصُّوَرِ الْحِسِّيَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ " اهـ. كَلَامُ السَّعْدِ وَنَحْوُهُ فِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>