للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى -، فَالْوُجُودُ التَّابِعُ لَا يَكُونُ مُسَاوِيًا لِلْوُجُودِ الْمَتْبُوعِ، وَإِنَّمَا الِاسْتِوَاءُ فِي إِطْلَاقِ الِاسْمِ نَظِيرَ اشْتِرَاكِ الْفَرَسِ وَالشَّجَرِ فِي اسْمِ الْجِسْمِ إِذْ مَعْنَى الْجِسْمِيَّةِ وَحَقِيقَتِهَا مُتَشَابِهٌ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ أَحَدِهِمَا لِأَنْ يَكُونَ فِيهِ أَصْلًا. فَلَيْسَتِ الْجِسْمِيَّةُ لِأَحَدِهِمَا مُسْتَفَادَةً مِنَ الْآخَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اسْمُ الْوُجُودِ لَهُ وَلِخَلْقِهِ، وَهَذَا التَّبَاعُدُ فِي سَائِرِ الْأَسَامِي أَظْهَرُ كَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُشْبِهُ فِيهِ الْخَالِقُ الْخَلْقُ، وَوَاضِعُ اللُّغَةِ إِنَّمَا وَضَعَ هَذِهِ الْأَسَامِي أَوَّلًا لِلْخَلْقِ فَإِنَّ الْخَلْقَ أَسْبَقُ إِلَى الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ مِنَ الْخَالِقِ، فَكَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي حَقِّ الْخَالِقِ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّجَوُّزِ وَالنَّقْلِ " اهـ. مَا نُرِيدُهُ. ثُمَّ فَسَّرَ مَحَبَّةَ اللهِ لِلْعَبْدِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ فِيهِ مَجَالٌ لِلْبَحْثِ وَالنَّظَرِ.

وَقَالَ فِي كِتَابِ الشُّكْرِ مِنَ الْإِحْيَاءِ: " إِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي جَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ صِفَةٌ عَنْهَا يَصْدُرُ الْخَلْقُ وَالِاخْتِرَاعُ، وَتِلْكَ الصِّفَةُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تَلْمَحَهَا عَيْنُ

وَاضِعِ اللُّغَةِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهَا بِعِبَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى كُنْهِ جَلَالِهَا وَخُصُوصِ حَقِيقَتِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الْعَالَمِ عِبَارَةٌ لِعُلُوِّ شَأْنِهَا وَانْحِطَاطِ رُتْبَةِ وَاضِعِي اللُّغَاتِ عَنْ أَنْ يَمْتَدَّ فَهْمُهُمْ إِلَى مَبَادِئِ إِشْرَاقِهَا، فَانْخَفَضَتْ عَنْ ذُرْوَتِهَا أَبْصَارُهُمْ كَمَا تَنْخَفِضُ أَبْصَارُ الْخَفَافِيشِ عَنْ نُورِ الشَّمْسِ لَا لِغُمُوضٍ فِي نُورِ الشَّمْسِ وَلَكِنْ لِضَعْفٍ فِي أَبْصَارِ الْخَفَافِيشِ، فَاضْطُرَّ الَّذِينَ فُتِحَتْ أَبْصَارُهُمْ لِمُلَاحَظَةِ جَلَالِهَا إِلَى أَنْ يَسْتَعِيرُوا مِنْ حَضِيضِ عَالَمِ الْمُتَنَاطِقِينَ بِاللُّغَاتِ عِبَارَةً تُفْهَمُ مِنْ مَبَادِئِ حَقَائِقِهَا شَيْئًا ضَعِيفًا جِدًّا، فَاسْتَعَارُوا لَهَا اسْمَ الْقُدْرَةِ فَتَجَاسَرْنَا بِسَبَبِ اسْتِعَارَتِهِمْ عَلَى النُّطْقِ فَقُلْنَا لِلَّهِ - تَعَالَى - صِفَةٌ هِيَ الْقُدْرَةُ عَنْهَا يَصْدُرُ الْخَلْقُ وَالِاخْتِرَاعُ.

" ثُمَّ الْخَلْقُ يَنْقَسِمُ فِي الْوُجُودِ إِلَى أَقْسَامٍ وَخُصُوصِ صِفَاتٍ، وَمَصْدَرُ انْقِسَامِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَاخْتِصَاصِهَا بِخُصُوصِ صِفَاتِهَا صِفَةٌ أُخْرَى اسْتُعِيرَ لَهَا بِمِثْلِ الضَّرُورَةِ الَّتِي سَبَقَتْ عِبَارَةَ " الْمَشِيئَةِ " فَهِيَ تُوهِمُ مِنْهَا أَمْرًا مُجْمَلًا عِنْدَ الْمُتَنَاطِقِينَ بِاللُّغَاتِ الَّتِي هِيَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ لِلْمُتَفَاهِمِينَ بِهَا، وَقُصُورُ لَفْظِ الْمَشِيئَةِ عَنِ الدَّلَالَةِ عَلَى كُنْهِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَحَقِيقَتِهَا كَقُصُورِ لَفْظِ الْقُدْرَةِ.

" ثُمَّ انْقَسَمَتِ الْأَفْعَالُ الصَّادِرَةُ مِنَ الْقُدْرَةِ إِلَى مَا يَنْسَاقُ إِلَى الْمُنْتَهَى الَّذِي هُوَ غَايَةُ حِكْمَتِهَا وَإِلَى مَا يَقِفُ دُونَ الْغَايَةِ، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِسْبَةٌ إِلَى صِفَةِ الْمَشِيئَةِ لِرُجُوعِهَا إِلَى الِاخْتِصَاصَاتِ الَّتِي بِهَا تَتِمُّ الْقِسْمَةُ وَالِاخْتِلَافَاتُ، فَاسْتُعِيرَ لِنِسْبَةِ الْبَالِغِ غَايَتَهُ عِبَارَةُ " الْمَحَبَّةِ " وَاسْتُعِيرَ لِنِسْبَةِ الْوَاقِفِ دُونَ غَايَتِهِ عِبَارَةُ " الْكَرَاهَةِ ". وَقِيلَ: إِنَّهُمَا دَاخِلَانِ فِي وَصْفِ الْمَشِيئَةِ، وَلَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَاصِّيَّةُ أُخْرَى فِي النِّسْبَةِ يُوهِمُ لَفْظُ الْمَحَبَّةِ وَالْكَرَاهَةِ مِنْهُمَا أَمْرًا مُجْمَلًا عِنْدَ طَالِبِي الْفَهْمِ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَاللُّغَاتِ " اهـ. الْمُرَادُ.

ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالْكُفْرِ وَالشُّكْرِ وَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْضِيَّ عَنْهُ مَنْ كَانَ فِي عَمَلِهِ مُتَمِّمًا لِحِكْمَةِ اللهِ - تَعَالَى - فِي عِبَادِهِ ; أَيْ بِالْقِيَامِ بِسُنَّتِهِ الْكَوْنِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ. وَهُوَ الشَّاكِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>