للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ الْجَائِزَيْنِ أَنْ يَكُونَ بِالظَّنِّ وَبِالِاحْتِمَالِ الْمُجَرَّدِ، وَهَذَا تَمَامُ النَّظَرِ فِي الْكَفِّ عَنِ التَّأْوِيلِ.

(التَّصَرُّفُ الثَّالِثُ الَّذِي يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ: التَّصْرِيفُ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا وَرَدَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [١٣: ٢] فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مُسْتَوٍ وَيَسْتَوِي ; لِأَنَّ دَلَالَةَ قَوْلِهِ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ: رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الْآيَةَ، بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [٢: ٢٩] فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِوَاءٍ قَدِ انْقَضَى مِنْ إِقْبَالٍ عَلَى خَلْقِهِ أَوْ عَلَى تَدْبِيرِ الْمَمْلَكَةِ بِوَاسِطَتِهِ، فَفِي تَغْيِيرِ التَّصَارِيفِ مَا يُوثِقُ فِي تَغْيِيرِ الدَّلَالَاتِ وَالِاحْتِمَالَاتِ، فَلْيَجْتَنِبِ التَّصْرِيفَ كَمَا يَجْتَنِبُ الزِّيَادَةَ، فَإِنَّ تَحْتَ التَّصْرِيفِ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ.

(التَّصْرِيفُ الرَّابِعُ الَّذِي يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ: الْقِيَاسُ وَالتَّفْرِيعُ) مِثْلَ أَنْ يَرِدَ لَفْظُ الْيَدِ فَلَا يَجُوزُ إِثْبَاتُ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ وَالْكَفِّ مُصَيِّرًا إِلَى أَنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ الْيَدِ، وَإِذَا وَرَدَ الْأُصْبُعُ لَمْ يَجُزْ ذِكْرُ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ وَالْعَصَبِ وَإِنْ كَانَتِ الْيَدُ الْمَشْهُورَةُ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ. وَأَبْعَدُ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ إِثْبَاتُ الرِّجْلِ عِنْدَ وُرُودِ الْيَدِ، وَإِثْبَاتُ الْفَمِ عِنْدَ وُرُودِ الْعَيْنِ أَوْ عِنْدَ وُرُودِ الضَّحِكِ، وَإِثْبَاتُ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ عِنْدَ وُرُودِ

السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ وَكَذِبٌ وَزِيَادَةٌ، وَقَدْ يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَمْقَى مِنَ الْمُشَبِّهَةِ الْحَشْوِيَّةِ ; فَلِذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ.

(التَّصَرُّفُ الْخَامِسُ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ) وَلَقَدْ بَعُدَ عَنِ التَّوْفِيقِ مَنْ صَنَّفَ كِتَابًا فِي جَمْعِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَرَسَمَ فِي كُلِّ عُضْوٍ بَابًا، فَقَالَ: بَابٌ فِي إِثْبَاتِ الرَّأْسِ وَبَابٌ فِي الْيَدِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَمَّاهُ كِتَابَ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ هَذِهِ كَلِمَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ صَدَرَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ مُتَبَاعِدَةٍ اعْتِمَادًا عَلَى قَرَائِنَ مُخْتَلِفَةٍ تُفْهِمُ السَّامِعِينَ مَعَانِيَ صَحِيحَةً، فَإِذَا ذُكِرَتْ مَجْمُوعَةً عَلَى مِثَالِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ صَارَ جَمْعُ تِلْكَ الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي السَّمْعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً قَرِينَةً عَظِيمَةً فِي تَأْكِيدِ الظَّاهِرِ وَإِيهَامِ التَّشْبِيهِ، وَصَارَ الْإِشْكَالُ فِي أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا نَطَقَ بِمَا يُوهِمُ خِلَافَ الْحَقِّ أَعْظَمُ فِي النَّفْسِ وَأَوْقَعُ، بَلِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَرَابِعَةً مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ صَارَ مُتَوَالِيًا بِضَعْفِ الِاحْتِمَالِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْجُمْلَةِ ; وَلِذَلِكَ يَحْصُلُ مِنَ الظَّنِّ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِينَ الثَّلَاثَةِ مَا لَا يَحْصُلُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، بَلْ يَحْصُلُ مِنَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ مَا لَا يَحْصُلُ بِالْآحَادِ، وَيَحْصُلُ مِنَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِاجْتِمَاعِ التَّوَاتُرِ مَا لَا يَحْصُلُ بِالْآحَادِ. وَكُلُّ ذَلِكَ نَتِيجَةَ الِاجْتِمَاعِ إِذْ يَتَطَرَّقُ الِاحْتِمَالُ إِلَى قَوْلِ كُلِّ عَدْلٍ وَإِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقَرَائِنِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ أَوْ ضَعُفَ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ جَمْعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>