مِنْ نِسَائِهِ وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَعْشُوقَةِ وَلَدٌ، وَمَا هُوَ إِلَّا مَحْضُ التَّقَرُّبِ وَابْتِغَاءُ الزُّلْفَى إِلَى الْمَرْأَةِ.
أَمَّا السَّبَبُ فِي كَوْنِ حُبِّ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ أَقْوَى مِنْ حُبِّهَا لَهُ فَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ الطَّبِيعِيَّ لِهَذَا الْحُبِّ هُوَ دَاعِيَةُ النَّسْلِ لَا قَصْدُهُ، وَالدَّاعِيَةُ فِي الرَّجُلِ أَقْوَى وَأَشَدُّ ; وَلِذَلِكَ تَرَاهُ يُشْغَلُ بِهَا إِذَا بَلَغَ سِنًّا أَكْثَرَ مِنَ الْمَرْأَةِ عَلَى كَثْرَةِ شَوَاغِلِهِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي يَطْلُبُ الْمَرْأَةَ وَيَبْذُلُ جُهْدَهُ وَمَالَهُ فِي سَبِيلِهَا مُوَطِّنًا نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يُمَوِّنَهَا وَيَصُونَهَا
وَيَتَحَمَّلَ أَثْقَالَهَا طُولَ الْحَيَاةِ وَمَا عَلَيْهَا هِيَ إِلَّا الْقَبُولُ، فَإِنْ طَلَبَتْ أَجْمَلَتْ فِي الطَّلَبِ، وَإِنْ شِئْتَ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى أَنَّ دَاعِيَةَ النَّسْلِ فِيهِ أَقْوَى، فَتَأَمَّلْ تَجِدْهُ مُسْتَعِدًّا لَهَا فِي كُلِّ حَالٍ طُولَ عُمْرِهِ، وَالْمَرْأَةُ تَفْقِدُ هَذَا الِاسْتِعْدَادَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَبَعْدَ سِنِّ الْيَأْسِ مِنَ الْحَيْضِ الَّذِي يَكُونُ غَالِبًا مِنْ سِنِّ الْخَمْسِينَ إِلَى الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ.
فَإِذَا قَبِلَتِ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ بَعْدَ هَذَا كَانَ قَبُولُهَا إِيَّاهُ مِنْ بَابِ التَّوَدُّدِ وَالْعُتْبَى أَوْ إِثَارَةِ الذِّكْرَى، وَلَا يَدْخُلُ فِي السَّبَبِ مَا هُوَ مُسَلَّمٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الرِّجَالِ مِنْ كَوْنِ النِّسَاءِ أَوْفَرَ نَصِيبًا مِنَ الْحُسْنِ وَقِسْمًا مِنَ الْقَسَامَةِ وَالْجَمَالِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الْمُسَلَّمَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَإِنَّ الرِّجَالَ أَكْمَلُ وَأَجْمَلُ خَلْقًا كَمَا هِيَ الْقَاعِدَةُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ، إِذْ نَرَى أَنَّ خِلْقَةَ الذَّكَرِ مِنْهَا أَجْمَلُ وَأَكْمَلُ مِنْ خِلْقَةِ الْأُنْثَى، كَمَا نَرَاهُ فِي الشُّيُوخِ وَالْعَجَائِزِ مِنَ النَّاسِ، بَلْ نَرَى الْأَبْيَضَ الْقُوقَاسِيَّ يُفَضِّلُ خِلْقَةَ رِجَالِ الزُّنُوجِ عَلَى نِسَائِهِمْ ; لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَشْتَهِي الزِّنْجِيَّاتِ فِي حَالِ الِاعْتِدَالِ، فَمُعْظَمُ حُسْنِ الْمَرْأَةِ وَجَمَالِهَا إِنَّمَا جَاءَ مِنْ زِيَادَةِ حُبِّ الرَّجُلِ إِيَّاهَا.
فَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ وَالْفُرُوقَ فِي حُبِّ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ يَسْهُلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِحُبِّ النِّسَاءِ حُبُّ الزَّوْجِيَّةِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فَذَكَرَ أَقْوَى طَرَفَيْهِ لِأَنَّ قَصْدَ التَّمَتُّعِ فِيهِ أَظْهَرُ، وَأَثَرَهُ فِي الصَّرْفِ عَنِ الْحَقِّ أَوْ الِاشْتِغَالِ عَنِ الْآخِرَةِ أَقْوَى، وَطَوَى الطَّرَفَ الثَّانِي، وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنَ الْحُبِّ الْمُزَيَّنِ لِلنَّاسِ وَهُوَ حُبُّ الْوَلَدِ، فَكَأَنَّ فِي الْآيَةِ احْتِبَاكًا، وَلَيْسَ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ وَلَا فِي الْآيَةِ شَيْءٌ عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - إِلَّا مَا سَيَأْتِي فِي حُبِّ الْوَلَدِ.
(النَّوْعُ الثَّانِي حُبُّ الْبَنِينَ) أَيِ الْأَوْلَادِ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ مَا كَانَ حُبُّهُ أَقْوَى وَالْفِتْنَةُ بِهِ أَعْظَمَ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ أَوْ لِدَلَالَةِ مَا حُذِفَ فِيمَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ كَدَلَالَتِهِ هُوَ عَلَى مَا حُذِفَ مِمَّا قَبْلَهُ عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِبَاكِ أَوْ شِبْهِ الِاحْتِبَاكِ، وَأَخَّرَ فِي الذِّكْرِ عَنْ حُبِّ النِّسَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِتَأَخُّرِهِ فِي الْوُجُودِ إِذِ الْأَوْلَادُ مِنَ النِّسَاءِ. قُلْنَا: إِنَّ الْعِلَّةَ الطَّبِيعِيَّةَ لِحُبِّ النِّسَاءِ أَوِ الْأَزْوَاجِ هِيَ دَاعِيَةُ النَّسْلِ، فَهَذِهِ الدَّاعِيَةُ تُحْدِثُ فِي النَّفْسِ انْفِعَالًا يُحَفِّزُ صَاحِبَهُ إِلَى الزَّوَاجِ. وَأَمَّا حُبُّ الْأَوْلَادِ فَيَكَادُ يَكُونُ كَحُبِّ النَّفْسِ لَا عِلَّةَ لَهُ غَيْرَ ذَاتِهِ إِلَّا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ عَاطِفَةَ رَحْمَةِ الْوَالِدَيْنِ بِالْوَلَدِ - مُنْذُ يُولَدُ - هِيَ غَيْرُ عَاطِفَةِ حُبِّهِمَا لَهُ وَهِيَ عِلَّتُهُ، وَلَكِنَّ حِكْمَةَ الْخَالِقِ فِي حُبِّ الزَّوْجِيَّةِ وَحُبِّ
الْوَلَدِ وَاحِدَةٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute