للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا شكَّ أن وقوعَ المشترك في الكلام عجيب؛ لأنه ينافِي الغرضَ الذي لأجله وُضعت اللغة، وهو غرضُ الإبانة عن المراد، وخاصة اللغة العربية؛ فإنها لغةُ البيان. والمشترَكُ يوقِع السامعَ في الحيرة والالتباس بين مختلِف المعانِي، ولا سيما الذي يدلُّ منه على معنيين متضادَّيْن.

من أجل ذلك اختلف علماءُ العربية وأصول الفقه في وجود هذا النوع من الكلام في اللغة العربية، فنفى وقوعَه جماعة، منهم ثعلب اللغوي وأبو بكر الأبهري من الفقهاء. وعلّلوا قولَهم بأن اللغة موضوعةٌ للإبانة، ووجودُ المشترك يُعَدُّ تعمية، وتأولوا ما يتراءى في كلام العرب بتأويلات.

وذهب جماعةٌ إلى أنه لا يقع لِمعنيين متضادَّيْن، قال ابن سيده: نقله أبو علي الفارسي عن بعض شيوخه (١). ومال إلى هذا القول


= تُطلق على الإناء ذاته وعلى ما فيه من الشراب، وكلمة "الغريم" التي تدل على الدائن وعلى المدين، وعلى الخصم أيضًا. وقد تندرج تحت ذلك كلُّ الصيغ الصرفية المماثلة التي تُستعمل للفاعل والمفعول، مثل سميع وعليم وقدير وكحيل وقتيل ودهين وجريح وطريد. وقد اهتم العلماء بهذا الصنف من الألفاظ وخصوه بالجمع والتصنيف، فألف فيها الأصمعي والسجستاني وابن السكيت وأبو الطيب اللغوي ومحمد بن القاسم الأنباري والصغاني وغيرهم كتبًا ورسائل. انظر مثلًا: ثلاثة كتب: الأضداد (للأصمعي وللسجستاني ولابن السكيت، ويليها ذيل كتاب الأضداد للصغاني)، نشرة بعناية أوغست هفنر (بيروت: المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، ١٩١٣)؛ الأنباري، محمد بن القاسم: كتاب الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (صيدا/ بيروت: المكتبة العصرية، ١٤٠٧/ ١٩٨٧)؛ اللغوي، أبو الطيب عبد الواحد بن علي: كتاب الأضداد في كلام العرب، تحقيق عزة حسن (دمشق: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ط ٢، ١٩٩٦).
(١) وقد التزم ابن سيده في بداية "كتاب الأضداد" من مخصصه أن يحرر الكلام في هذه المسألة، بناءً على ما انتهى إليه "من تعليل أبي علي الفارسي". وتمام كلام أبي علي كما نقله: "وقد كان أحد شيوخنا يُنكر الأضداد التي حكاها أهل اللغة، وأن تكون لفظةٌ واحدة لشيء وضده". ابن سيده، أبو الحسين علي بن إسماعيل الأندلسي: المخصص (بيروت: دار الكتب العلمية، بدون تاريخ، [مصور عن طبعة الأميرية، ١٣٢١)، ج ١٣، ص ٢٥٨ - ٢٥٩. وكلام أبي علي هذا موجودٌ في كتابه =

<<  <  ج: ص:  >  >>