من الثروة، ووسائل الوفاء بآثار تفكير أهلها، وبمقتضيات أحوال الفصاحة والبلاغة في تلك المقامات، أعظمُ حظٍّ وأوفرُه.
ولوجود المترادف عونٌ كبير على الوفاء بذلك الغرض الشريف؛ إذ به يتمكن الخطيبُ من استرساله في ارتجاله، والشاعر من التعجل بإقامة ميزان شعره وتسديد قوافيه، والأديب من مراعاة التفنن اللفظي في مجانسة الكلام ومجانبة ثِقَل إعادة الألفاظ إن هو لُزّ إلى إعادة القول في غرضه، والمراسل كذلك في رسائله، وصاحب المُلَح إليه أحوج. وسأبسط ذلك في المبحث الرابع.
على أنا نعود هنا إلى ما قدمناه في بيان معنى الوضع، فننفي أن يكون ثمة واضعٌ يوصف بالحكمة، ويُحسب عليه الإخلال بها. فإن المتكلمين باللغة إذا تناقلوا استعمالَ بعضهم بعضًا طفحت عليهم اللغات، فيتكون المترادفُ بلا رغم منهم، ثم ينتفعون به.
بيد أن هذا التوجيه وإن كان يدفع النكد عن الواضع، فهو يناكدُ اعتبارَ الوصف الذي لاحظه أبو علي الفارسي ومنكرو المترادف. فوجب السعيُ إلى الاعتراف بأن بعضَ ما يُتوهَّم أنه من المترادف هو غيرُ مترادف، بل هو من الأسماء التي حصلت دلالتُها على معان واحدة باعتبار المآل، فرجع إلى ما أخرجناه من ماهية المترادف عند الكلام على حده بقولي:"وظهر أن ليس من المترادف. . ." إلخ، وأن أهل اللغة تساهلوا في كثير من المفردات بعدِّها من المترادف، وما هي منه على التحقيق. ووجب الاعترافُ بتزييف معظم ما زعمه مُنْكِرُو الترادفِ وأبو علي الفارسي من كون المترادفات مشتملًا بعضها على قيود واعتباراتٍ غير مشتمل البعض الآخر عليها؛ فإني أراها دعوى عريضة.
وأما احتجاجُهم بعطف أحد المترادفين على الآخر فلا حجةَ فيه؛ لأنه من النادر، وهو من أفانين البديع في الكلام، بتخييل معنى التوكيد اللفظي في خيال معنى التأسيس، تنزيلًا له منزلةَ إجراء وصفٍ ثان، ليشير المتكلمُ إلى أن الوصف بلغ من