للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشدة في الموصوف مبلغَ إنشاء وصف ثان عنه. ونظيرُه عطفُ المركَّب أو الجملة على معطوف قد أفاد معنى المعطوف عليه دون زيادة، مثل قوله تعالى: {قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)} [الأنعام: ١٤٠]، وقول الأعشى: "إِمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لَا نِعَالَ لَنَا" (١).

وأما وجودُ مترادفاتٍ مُؤْذِنةٍ بأوصاف، فلا يقضي بإنكار الترادف من أصله؛ إذ غايةُ ما يقتضي أن يُحَرَّرَ الخلافُ في ثلة من المترادفات، لا بإنكار الترادف كله، إذ لا محيصَ من الاعتراف بأن الجوامدَ الواقعة على معنى واحد هي مترادفة، كالخمر والعُقار، وبأن المشتقات التي أُجرِيت مجرى الأسماء بغلبة الاستعمال صارت في حكم الجوامد، بقطع النظر عن أصل الاشتقاق. فإن الحسام والصارم والفيصل، وإن كانت أسماء مشتقةً من أوصاف، وكانت في الأصل جاريةً مجرى الأوصاف للسيف باعتبار المعاني المشتقة هي منها، فإنه لما كثر ذكرُها بدون موصوفاتها لتعين الموصوف بذكر وصفه نظير وصفه، نظير قوله تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣)} [القمر: ١٣]، استُغنِيَ بذكرها عن ذكر موصوفها حتى ساوته في الاستعمال، فعوملت معاملةَ الجوامد، فصارت مترادفاتٍ بالاستعمال.

وبعضُ هذا النوع أقربُ إلى التوصيف من بعض، وبعضه لم يبلغ مبلغ الأسماء، ألا ترى أن إطلاق المشرفي والمهند على السيف أقرب إلى اعتبار التوصيف فيه من إطلاق نحو الحسام والصارم. ألا ترى أنهم أطلقوا على السيف اسْمًا مركَّبًا


(١) وتمام البيت:
إِمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لَا نِعَالَ لَنَا ... إِنَّا كَذَلِكَ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ
هذا وليس في صدر البيت عطف، وإن كان قوله: "حفاة" يرادف قوله: "لا نعال لنا". لكن العطف في الشطر الثاني الذي لم يذكره؛ فإن قوله: "وننتعل" يرادف "ما نحفى". والبيت من المعلقة الأولَى للأعشى، التي طالعها:
وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ ... وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ
ديوان الأعشى، نشرة عطوي، ص ١٩؛ ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، نشرة حسين، ص ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>