للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمفارقة الوثنية، وإلى إصلاح العمل بتأسيس أصول الحنيفية - قد كان يبث بين أصحاب أمانته كلماتٍ من لغته ليسَ عندهم ما يرادفها، أو تكون أخفَّ من مرادفها في لغتهم، ويبث فيهم أساليبَ من لغته تكون أتقنَ من أساليبهم، فيكون بمقامه بينهم قد أدخلَ في لغتهم كثيرًا من آثار اللغة التي كان ينطق بها، إذا جوزنا أن تكون لغتُه يومئذ أتقنَ من لغتهم.

السبب الثاني: اختلاف قبائل العرب في أسماء بعض الأشياء، فتشيع الأسماء التي ينطقون بها كلها في جميع قبائلهم لا سيما في الحجاز؛ لأنها قرار القبائل. قال الجاحظ في البيان والتبيين: "القمح لغة شامية، والحنطة لغة كوفية، والبر لغة حجازية. وقال أمية بن أبي الصلت: "لبَابَ البُرِّ يُلْبَكُ بالشِّهَادِ". (١) قلت: وأهل يثرب يسمونه الفوم، قاله المفسرون في قوله تعالى: "وفومها" في سورة البقرة، وأنشدوا على ذلك قولَ أُحيحة بن الجُلَاح (٢):

قَدْ كُنْتُ أغْنَى الناسِ شخْصًا واحدًا ... سَكَنَ المَدِينةَ مِنْ مَزَارِعِ فُومِ (٣)


(١) الجاحظ: البيان والتبيين، ص ٢٣ جزء ١، طبع المطبعة التجارية سنة ١٣٤٥ هـ. - المصنف.
ساق المصنف كلامَ الجاحظ بشيء من التصرف، ونورده هنا بتمامه. وسياق الكلام بيان كيف كان واصل بن عطاء يتجنب في كلامه وخطبه حرفَ الراء بسبب لثغته فيه. قال الجاحظ: "وكان إذا أراد أن يذكر البر قال: القمح والحنطة. والحنطة لغة كوفية، والقمح لغة شامية. هذا وهو يعلم أن لغة من قال: بر أفصح من لغة من قال: قمح أو حنطة". وبعد أن أورد بيتًا للمتنخل الهذلي قال: "وقال أمية بن أبي الصلت في مدح عبد الله بن جدعان:
دَاعٍ بِمَكَّةَ مُشْمَعِلٌّ ... وَآخَرُ فَوْقَ دَارَتِهِ يُنَادِي
إلَى رُدُحٍ مِنَ الشِّيزَى ... لُبَابُ البُرِّ يُلبَكُ بِالشّهَادِ"
الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ١٩؛ ديوان أمية بن أبي الصلت، ص ٦١ - ٦٤.
(٢) أحيحة بن الجلاح الأوسي، شاعرٌ جاهلي من دهاة العرب وشجعانهم. تُوُفِّيَ سنة ١٣٠ قبل الهجرة (٤٩٧ م). - المصنف.
(٣) قال ابن كثير: "وأما الفوم فقد اختلف السلف في معناه، فوقع في قراءة ابن مسعود: وثومها بالثاء، وكذلك فسره مجاهد والربيع بن أنس وسعيد بن جبير. وقال ابن جرير الطبري: فإن كان ذلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>