للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه فقد نطق القرآن بلغة أهل يثرب دون لغة أهل مكة. ثم قال الجاحظ: "وأهل الأمصار إنما يتكلمون على لغة النازلة فيهم من العرب. ولذلك تجد الاختلاف بين أهل الكوفة والبصرة، والشام ومصر. [حدثني أبو سعيد عبد الكريم بن روح قال: ] قال أهلُ مكة لمحمد بن المناذر (الشاعر البصري) (١): ليست لكم معاشرَ أهل البصرة لغةٌ فصيحة، إنما الفصاحة لنا أهل مكة. فقال ابن المناذر: أما ألفاظُنا فأَحْكَى الألفاظ للقرآن، وأكثرُها له موافقة، [فضعوا القرآن بعد هذا حيث شئتم]. أنتم تسمون القِدْرَ بُرْمة، وتجمعون البُرمة على بِرام، ونحن نقول قِدْر ونجمعها على قُدُور، قال الله تعالى: {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: ١٣]. وأنتم تسمون البيت إذا كان فوق البيت عُلِّيَّةٌ وتجمعون هذا الاسم على عَلَالِي، ونحن نسميه غرفة ونجمعها على غُرُفات وغُرَف، وقال [الله تبارك] وتعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (٣٧)} [سبأ: ٣٧]، وقال: {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} [الزمر: ٢٠]. وأنتم تسمون الطَّلْعَ الإِغْرِيض والكَافور، ونحن نسميه الطَّلع، قال الله تعالى: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (١٤٨)} [الشعراء: ١٤٨] ". (٢)

ثم قد يكون أحدُ اللفظين مجهولًا في بعض القبائل، كما رُوي أن عبد الله بن مسعود أقرأ بعضَ العرب: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤)} [الدخان: ٤٣, ٤٤]، فقرأ العربي: طعام اليتيم، فقال ابن مسعود: الأثيم. فقال العربي: اليتيم.


= صحيحًا، فإنه من الحروف المبدلة كقولهم: وقعوا في عاثور شر وعافور شر، وأثافي وأثاثي، ومغافير ومغاثير، وأشباه ذلك مما تُقلب فيه الفاء ثاء والثاء فاء لتقارب مخرجيهما. . . وقال البخاري: وقال بعضهم: الحبوب التي تُؤكل كلها فوم". شاكر، أحمد محمد (اختصار وتحقيق): مختصر تفسير القرآن العظيم المسمى عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير (المنصورة/ مصر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط ١، ١٤٢٤/ ٢٠٠٣)، ج ١، ص ١١٩ - ١٢٠.
(١) هو محمد بن مناذر اليربوعي بالولاء، شاعر كثير الأخبار والنوادر، كان عالِمًا باللغة والأدب، تفقه وروى الحديث. غلب اللهو والمجون ووصف بالزندقة، اتصل بالبرامكة ومدحهم. أخرج من البصرة لهجائه أهلها، وذهب إلى مكة وتنسك، وتوفي فيها سنة ١٩٨ هـ.
(٢) الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ٢٠ (وما بين الحاصرتين لم يورده المصنف، أما ما بين القوسين فزيادة منه).

<<  <  ج: ص:  >  >>