للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأراد ابنُ مسعود أن يبين له فقال: الفاجر، فقرأ: طعام الفاجر". (١) وهذا يدل على أن العربِيَّ لم يكن يعرف الأثيم، فلذلك أَكْذَبَ سَمعَه، وتوهم أن ابنَ مسعود يريد اليتيم، وأنه لم يُحسِنْ الإفصاحَ عن اللفظة. وقد تكون إحدى اللفظتين أغلبَ على الأخرى، مثل المدية عند بعض العرب، فإنها أغلبُ من السكين، كما سيأتي.

وقد تساءل كثيرٌ من الصحابة عن معنى الأبِّ في قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: ٣١]. وسأل عمر عن معنى التخوف في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: ٤٧] حتى قال شيخٌ من هذيل: هذه لغتنا. التخوف: التنقص، وقد قال شاعرُنا أبو كبير:

تَخَوَّف الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا ... كَمَا تَخَوَّف عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ (٢)

السبب الثالث: اختلاف نطق قبائل العرب لبعض الحروف، مثل قولهم: ذُرُّوح وذُرْنُوح، وقولهم: صِراط وسِراط وزِراط، وقو لهم: صَقَر وسَقَر، وزُفَّة (اسم للطائر المعروف)، وقولهم: سَاطَ وشَاطَ، بمعنى خَلَط، وقولهم: ادَّكَر واذَّكَر (٣). وكما قال معظمُ العرب: بَقِيَ ورَضِيَ، وقالت طيِّئ: بَقَى ورَضَى. وكما قالوا: قَلَيْته أُقْلِيه


(١) أخرج أبو عبيد بسنده "أن ابن مسعود أقرأ رجلًا: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤)} [الدخان: ٤٣, ٤٤]، فقال الرجل: طعام اليتيم، فرددها عليه فلم يستقم بها لسانه، فقال أتستطيع أن تقول: طعام الفاجر؟ قال: نعم. قال: فافعل". الهروي، أبو عبيد القاسم بن سلام: كتاب فضائل القرآن، تحقيق مروان العطية وزميليه (دمشق/ بيروت: دار ابن كثير، بدون تاريخ)، ص ٣١١ - ٣١٢.
(٢) سبق توثيق هذه القصة في مقال "المحكم والمتشابه" من القسم الثاني.
(٣) وقرئ بهما قوله تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥)} في سورة القمر. "ومدكر أصله: مُذْتَكِر - مفتَعِل - من الذُّكْر بضم الذال، وهو التفكر في الدليل، فقُلِبت تاءُ الافتعال دالًا لتقارب مخرجيهما، وأُدغِم الذالُ في الدال لذلك. وقراءة هذه الآية مروية بخصوصها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". ابن عاشور، محمد الطاهر: تفسير التحرير والتنوير (تونس: دار سحنون/ القاهرة: دار السلام، ١٩٩٧)، ج ١٢/ ٢٧، ص ١٨٧. وانظر كذلك ج ٦/ ١٢، ص ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>