للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حَدَوْناها بِهَيْدٍ وهَلَا ... حَتّى تَرَى أسفلَها صارَ علَا (١)

السبب العاشر: ما نشأ من اختلاط العرب بعد الإسلام في الفتوح، فكثر بذلك المترادف، إذ زِيدَ في دخول المعرب من الفارسية والرومية شيءٌ كثير، وإذ زيد ما دخل من لغات أهل الأمصار ما لم يكن يعْلقُ بمسامع العرب، مثل الدراقن للتفاح، والقط للهر، وعَلُو بمعنى علَى، كل ذلك في لغة أهل بغداد.

ولقد اقتحموا فأدخلوا الكلماتِ الفارسية والحضرية في الشعر قبل أن يسبق تعريبُها، كما قال العُمانِيُّ (٢) في رجز يمدح الخليفةَ الرشيد:

مَنْ يَلْقَهُ مِنْ بَطَلٍ مُسْرَنْدِ فِي ... زَغْفَةٍ مُحْمَكَةٍ بِالسَّرْدِ

يَجُولُ بَيْنَ رَأْسِهِ وَالكَرْدِ

لمَّا هَوَى بَيْنَ غِيَاضِ الأُسْدِ ... وَصَارَ فِي كَفِّ الهِزَبْرِ الوَرْدِ

آلَى يَذُوقُ الدَّهْرَ آبَ سَرْدِ (٣)


(١) هذا الرجز مما أنشده أبو عمرو بن العلاء للقتال الكلابي. الجوهري، إسماعيل بن حماد: الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار (بيروت: دار العلم للملايين، ط ٤، ١٩٩٠)، ج ٢، ص ٤٨٦ (فصل الهاء من باب الدال). وفيه "حتى يُرى أسفلُها" بالبناء للمجهول.
(٢) هو أبو العباس محمد بن ذُؤيب الفُقيميُّ، لم يكن من أهل عُمان وإنما قيل له عماني؛ لأن دُكينًا الراجز نظر إليه وهو يسقي الإبل ويرتجز فرآه غُليِّمًا مصفرَّ الوجه مطحولًا فقال: من هذا العمانيُّ؟ فلزمه الاسم. وإنما نسبه إلى عُمان؛ لأن عمان وبيئةٌ وأهلها مصفرةٌ وجوههم، مطحولون، وكذلك البحران، قال الشاعر:
مَنْ يَسْكُنِ البَحْرَيْنِ يَعْظُمْ طِحَالُهُ ... وَيُغْبطْ بِمَا فِي بَطْنِهِ وَهوَ جَائِعُ
الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر: كتاب الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون (بالقاهرة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ط ٢، ١٣٨٥/ ١٩٦٥)، ج ٤، ص ١٣٩؛ ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم: الشعر والشعراء أو طبقات الشعراء، تحقيق مفيد قميحة ومحمد الأمين الضناوي (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٦/ ٢٠٠٥)، ص ٤٥٤.
(٣) الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ١٠٢ - ١٠٣. والمُسْرَنْد: الغالب المتفوق، والزَّغْفَة: الدرع التي تسمح للمحارب بالتحرك، والهِزَبْر الوَرْد: الأسد ذو الجلد الأحمر، وآب سَرْد: الماء البارد.

<<  <  ج: ص:  >  >>