للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ لم يذكروا فيه أنه جاء على خلاف القياس، فهو محمولٌ على جريانِه على القياس في الماضي والمضارع. وقد دل على ذلك أيضًا مصدرُه، فإنهم قالوا في مصدره الضرر بدون إدغام؛ لأنه جاء على مثال فعل. وكلُّ ما كان من الأسماء مضاعَفَ المثلين على هذا المثال وشبهه، فإنه يتعين فيه الفكُّ، ولا يجوز الإدغام، وعللوه بالخفة الحاصلة بالفتح مثل: طلل، ولبب، وجلل.

وأنا أرى أن علةَ الفكِّ فيه التفرقةُ بين الفعل والاسم في الأكثر، ثم طُرِدَ البابُ على وتيرة واحدة. فإذن لمَّا قالوا في المصدر ضرر، علمنا أن الماضي بوزن فعِل (بكسر العين)، وأن المضارع بوزن يفعَل (بفتح العين). ومن أجل ذلك، لا يُطلق الضرر بالفك إلا على ما كان من الأضرار عاهة، فالعمى ضرر والزمانة ضرر. قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] أي: العمى والزمانة. وقد فسر المفسرون الآيةَ بذلك (١)، فلا يشمل من أصيب بضر في ماله أو في أهله.

وفي صحيح البخاري عن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أملى عليه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥]، فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي، فقال: يا رسول الله، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان أعمى. فأنزل الله على رسوله {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (٢). ولم يُستعمل الضرر في غير ما هو من العاهات فيما بلغنا من كلام العرب، ولا رأينا مَنْ صرح به من الأئمة المروي عنهم.


(١) انظر في ذلك مثلًا: النحاس، أبو جعفر: معاني القرآن، تحقيق محمد علي الصابوني (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، ١٩٨٨)، ج ٢، ص ١٧٠؛ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج ٧، ص ٥٥ - ٥٦.
(٢) "عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: رأيت مروان بن الحكم جالسًا في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أملى عليه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلًا أعمى، فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي، ثم سري عنه، فأنزل الله عز وجل: =

<<  <  ج: ص:  >  >>