للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنقله في غرض آخر؛ لأن الناقلَ إنما يضبط ويتحرى في نقله فيما يخص الغرضَ الذي لأجله ينقل؛ لأن المقصود من الخبر النسبةُ الخبرية لا الضمنية.

فالراوي المتصدي لرواية الأحاديث لإفادة أحكام شرعية لا يهمه من الألفاظ إلا مواردُها المفيدة للمعاني دون صيغها المفيدة لاختلاف كيفيات تلك المعاني. فإذا لم يكن نقله صريحًا في غرضه الذي تصدى لأجله، رجع أمرُ نقله إلى أنه احتجاجٌ بحسن الظن به في تحري الصواب من جميع جوانبه، وذلك غيرُ مقنع في إثبات اللغة. وقد عدوا من القواعد الأصلية أن الكلام إذا سيق لمعنى لا يُحْتجُّ به في معنى آخر. على أنه قد حفظ الخطأ عن كثير من الأئمة بتصحيف أو نحوه.

ورواةُ الحديث قد يقع لهم الغلطُ في عربية ما يروونه، وممن عُدَّ من هذا الباب هشيم بن بشير السلمي من أئمة الحديث. قال النضر بن شميل، وهو من أئمة اللغة: وإن هشيم لَحَّانًا، وهو الذي روى حديث: "إذا تزوج امرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد من عوز" (١)، رواه بفتح السين من سداد. والصواب سِداد - بكسر السين - في قصة مدونة في كتب اللغة والأدب (٢). فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ضر ولا ضرار"، فغيرها الراوي لا ضرر.


(١) البرهان فوري: كنز العمال، "كتاب النكاح"، الحديث ٤٤٥٨٨، ج ١٦، ص ٣٠١. بلفظ: "من تزوج امرأة لدينها وجمالها كان له في ذلك سداد من عوز"، وذكر أن الحديث رواه ابن النجار عن ابن عباس.
(٢) ذكر القصةَ الحريري حيث قال: "ويقولون هو سَداد من عوز، فيلحنون في فتح السين، والصواب أن يقال بالكسر. وجاء في أخبار النحويين أن النضر بن شميل المازني استفاد بإفادة هذا الحرف ثمانين ألف درهم. ومساق خبره ما أخبرنا به أبو علي بن أحمد التُّستري، عن حميد بن الحسن بن سعيد العسكري اللغوي، عن أبيه، عن إبراهيم بن حامد، عن محمد بن ناصح الأهوازي قال: حدثني النضر بن شميل قال: كنت أدخل على المأمون في سمره، فدخلت ذات ليلة وعلي ثوب مرقوع، فقال: يا نضر، ما هذا التقشُّف حتى تدخل على أمير المؤمنين في هذه الخُلْقان؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ ضعيف، وحرُّ مرو شديد، فأتبرد بهذه الخلقان، قال: لا، ولكنك قَشِف. ثم أجرينا الحديث، فأجرى هو ذكرَ النساء فقال: حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي عن ابن =

<<  <  ج: ص:  >  >>