وعند التأمل نجد هذه المفعَلة قد تَجاذبها ما يقتضي الإعلالَ - وهو قاعدةُ تحرك حرف العلة وانفتاح ما قبله - وما يقتضي التصحيحَ، وهو: أولًا أن التصحيحَ هو الأصل. ثانيًا أن إعلالَ ما أُعِلَّ من الأسماء كان بالحمل على الفعل، فجريانُه في الأسماء المشتقة - وهي الصفاتُ والمصادر - واضحٌ لمشابهتها الأفعالَ في الاشتقاق. ثالثًا أن الإعلالَ إذا لم يكن موجِبُه تعذرَ النطق بالكلمة ولو لم تُعل - وهو الإعلال الذي لا بدَّ منه إذ يتعذر النطقُ بدونه، مثل قلب ألف ضارب واوًا إذا صغَّرتَ فقلتَ: ضويرب لتعذر النطق بالألف بعد ضمة التصغير - فإن موجِبَه طلبُ التخفيف، مثل إعلال الفاء من ميزان؛ فإنك لو أردتَ أن تنطق بالفاء مصححةً فقلت مِوْزان لم يتعذَّرْ عليك، إلا أن إعلالَها بقلبها ياءً لمناسبة الكسرة أخفُّ في النطق.
وهذا غالبُ ما وقع من إعلالٍ في الكلمات العربية، فحقيقٌ جريانُه في الأفعال؛ لأنها كثيرةُ التداول في الكلام. وجريانُه في الأوصاف المشتقة من أسماء الأحداث تابعٌ لجريانه في أفعالها، لكثرة تداولها أيضًا، ولطرد الباب على وتيرة واحدة.
لهذا فإذا كان الإعلالُ مُوقِعًا في اللَّبس، فمراعاةُ دفع اللبس أَوْلَى من طلب التخفيف. ألا ترى أنَّهم أوْجَبوا تصحيحَ صيغة الإِفْعال إذا لم يكن لها فعلٌ ثلاثيّ، مثل أَغْيَمَتْ السماءُ، وأَعْوَل إذا رفع صوتَه بالبكاء؛ فهما مُصحَّحان! (١) وفي الاستفعال المشتق من اسم المعنى (الحدث)، مثل استَحْوَذَ واسْتَيْأَسَ؛ فهما مصححان، والمشتقّ من اسم جامد مثل استَنْوَقَ الجملُ واستَتْيَسَتِ الشاةُ؛ فهما مصحَّحان. وهذا الذي جزم به ابنُ مالك في التسهيل، وجعله قولًا فصْلًا بين إطلاق الجمهور في منع التصحيح في جميع ذلك، وإطلاق أبي زيد الأنصاري في جواز التصحيح في
(١) "جاء في لسان العرب (غيم) ما نصه: وقد غامَت السماء وأغامَت وأَغْيَمَتْ وتَغَيَّمَت وغَيَّمَت كله بمعنى؛ وبه نرى أن (أغيمت) لها فعل ثلاثي فلا يصح التمثيل بهذا الفعل، ويصح مثل (أَعْوَل) بمعنى رفع صوته بالبكاء؛ فإن الثلاثي بمعنى كثرة العيال، ففي اللسان (عول): وعَالَ وأعول وأعيل على المعاقبة عُؤُوْلًا وعِيالَة، كَثُر عِياله. قال الكسائي: عال الرجل يَعول، إذا كَثُر عياله". - لجنة الأصول بمجمع اللغة العربية بالقاهرة.