للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَلَذُّ لَهُ المُرُوءَةُ وَهْيَ تُؤْذِي ... وَمَنْ يَعْشَقْ يَلَذُّ لَهُ الغَرَامُ (١)

وهذا البيتُ من أبيات المعاني الشريفة، إلا أن لفظة "تؤذي" قد جاءت فيه وفي الآية، فحطَّتْ من قدر البيت، لضعف تركيبها، وحَسُنَ موقعُها في تركيب الآية". (٢)

وقال أبو البقاء الكفوي في كلياته: "الجزالةُ هي إذا أُطلقت على اللفظ يُراد بها نقيضُ الرقة". (٣) وقلت: قد رأيتهم يقابلون الجزالة مرة بالرقة، ومرة بالضعف، ومرة بالكراهة. فتحصَّل لنا من معنى الجزالة أنها كونُ الألفاظ التي يأتِي بها البيلغُ الكاتب والشاعر ألفاظًا متقاربةً في استعمال الأدباء والبلغاء، سالِمةً من ركاكة المعنى، ومن أثر ضعف التفكير، ومن التكلف، ومما هو مُستَكْرَهٌ في السمع عند النطق بالكلمة أو بالكلام، فهذه الجزالة صفة مدح. وقد مثلوا للركاكة بقول بعضهم:

يَا عُتْبَ سَيِّدَتِي! أَمَا لَكِ دِينُ؟ ... حَتَّى مَتَى قَلِبِي لَدَيْكِ رَهِينُ؟

فَأَنَا الصَّبُورُ لِكُلِّ مَا حَمَّلْتِنِي ... وَأَنَا الشَّقِيُّ البَائِسُ المِسْكِينُ (٤)


(١) ديوان المتنبي شرح البرقوقي، ج ٤، ص ١٩٥. والبيت من قصيدة من ثلاثة وأربعين بيتًا قالها المتنبي في مدح المغيث بن العجلي (ص ١٩٠ - ٢٠١)، وطالعها:
فُؤَادٌ مَا تُسَلِّيهِ المُدَامُ ... وَعُمْرٌ مِثْلُ مَا تَهَبُ اللِّئَامُ
(٢) ابن الأثير: المثل السائر، ج ١، ص ١٥٢ - ١٥٣.
(٣) الكفوي، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني: الكليات: معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري (بيروت: مؤسسة الرسالة، ١٤١٩/ ١٩٩٨)، ص ٣٥٣.
(٤) هذا الشعر لأبي العتاهية، فقد أورد الأصفهاني عن الزبير بن بكار قال: "حدثني ثابت بن الزبير بن حبيب قال: حدثني ابن أخت أبي خالد الحربي قال: قال لي الرشيد: احبس أبا العتاهية وضيق عليه حتى يقول الشعر الرقيق في الغزل كما كان يقول، فحبسته في بيت خمسة أشبار في مثلها فصاح: الموت! أخرجوني فأنا أقول كل ما شئتم، فقلت: قل، فقال: حتى أتنفس، فأخرجته وأعطيته دواة وقرطاسًا فقال أبياته التي أولها:
مَنْ لِعَبْدٍ أَذَلَّهُ مَولَاهُ ... مَا لَهُ شَافِعٌ إِلَيْهِ سِوَاهُ
يَشْتَكِي مَا بِهِ إِلَيْهِ وَيَخْشَا ... هُ وَيَرْجُوهُ مِثْلَ مَا يَخْشَاهُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>