للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا جدوى في تسميتها تبعية (١)، ولا يُستعار الاسمُ العلم إلا إذا تضمن وصفًا مشتهرًا كحاتم بالجود وسحبان بالفصاحة.

تنقسم الاستعارة إلى مصرحة ومكنية. فالمصرحة هي التي صرح فيها بلفظ المشبه به واستعمل في المشبه ملفوظًا به أو مقدَّرًا نحو "لدي أسد"، ونحو قول المجيب نعم لِمن قال له مثلًا: "تناغي غزالًا عَند باب ابن عامر؟ " والمكنية - ويقال استعارة بالكناية - وهي أن يُستعار لفظُ المشبَّه به للمشبَّه، ويحذف ذلك اللفظُ المستعار، ويشار إلى استعارته بذكر شيء من لوازم مسماه، نحو قول أبي ذؤيب:

وَإِذَا المَنِيَةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... ألفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ (٢)

فقد ظهر من ذكر الأظفار أن المنية شُبهت بالسبع. وقول أبي فراس:

فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الهَيْجَاءُ كُنَّا ... أَشَدَّ مَخَالبًا وَأَحَدَّ نَابَا (٣)


(١) أشرتُ إلى أن تقسيم الاستعارة إلى أصلية وتبعية تقسيمٌ لا طائلَ تحته، سوى ما يُفيده كلامُ "أسرار البلاغة" من كون التبعية أبلغ. والظاهرُ أن العلماء اضطروا إلى اعتبار الاستعارة التبعية تنبيهًا على ما جاء من الاستعارات في فعل وفاعل مثل نطق الحال، مع صحة اعتبار الاستعارة في الفعل بتشبيه الدلالة بالنطق، واعتبارها في الفاعل بتشبيه الحال باللسان، وكذا قول عنترة: "وشكى إلَيَّ بعبرة وتحمحم". فنظروا إلى استعارة فعل الفاعل، ولذا جعلوا استعارة الفعل المناسب لاستعارة الفاعل استعارة تبعية، تنبيهًا على أن المقصود بالتشبيه هو الحدث لا فاعله. ثم إذا جرت في الفعل سموها تبعية؛ لأنها ناشئةٌ عن استعارة المصدر. هذا رأي الجمهور، وهو قليل الجدوى. والسكاكي نظر إلى أن المقصود أولًا هو تشبيه صاحب فعل بصاحب فعل آخر، وترتب على ذلك ثشبيهُ فعله بفعل الآخر، فوجدها نوعًا من الاستعارة الكنية. فقول الجمهور وقول السكاكي هنا كقولهم في المجاز العقلي، سواء بسواء. فالتقسيم إلى التبعية عند الجمهور ليس مبنيًّا على ملاحظة الاشتقاق، كما توهمه كثير من الناس؛ لأنه لو كان كذلك لكان بحث علماء البيان فيه تطفلًا. - المصنف.
(٢) البيت هو العاشر في قصيدة له من ثلاثة وستين بيتًا، وهي الأولى مما جمعه وشرحه السكري (توفِّيَ سنة ٢٧٥ هـ) من أشعار الهذليين. السكري: شرح أشعار الهذليين، ج ١، ص ١٤.
(٣) ديوان أبي فراس الحمداني، نشرة يعناية خليل الدويهي (بيروت: دار الكتاب العربي، ط ٢، ١٤١٤/ ١٩٩٤)، ص ٣٥، وفيه و"لما" عوض "فلما". والبيت هو الثامن والعشرون في قصيدة من خمسة وخمسين بيتًا يصف فيها أبو فراس ما حصل من حرب بين سيف الدولة في موقعة سليمة وبعدها حين اجتمع مناوئوه من نزارية ويمانية على حربه.

<<  <  ج: ص:  >  >>