للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يضر بقاءُ لفظ المشبه في الكلام؛ لأنه صار مذكورًا لغير قصد التشبيه، بل لإكمال معنى اللازم المذكور. ألا ترى أنه يجيء مضافًا إليه كما في بيت أبي ذؤيب أو يكون مذكورًا في الخبر السابق كما في بيت أبي فراس؟ (١)

واعلم أن هذا اللازم الذي هو مِنْ مُلائمات المشبَّه به في المكنية قد يكون غيرَ صالِحٍ للاستعارة، فالإتيانُ به إذن لمجرد كونه من لوازم ماهية اللفظ المحذوف، كالأظفار في بيت أبي ذؤيب، وكقول لبيد في المعلقة:

وَغَدَاةِ رِيحٍ قَدْ كَشَفْتُ وَقَرَّةٍ ... إِذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا (٢)

فشبه ريح الشمال براكب أمسك بزمام فرس البرد وجعل له يدًا، ولا يصلح اليد لأن تكون تشبيهًا لشيء في معاني هذا البيت. وكذلك قوله تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)} [النساء: ٤]، شبه المال المأخوذ بالطعام والشراب وجعل له الهناء والمري.

وقد يكون هذا اللازم صالِحًا للاستعارة أيضًا، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٧]، فإن النقض من لوازم الحبل الذي شُبِّه به العهد. ويصح مع ذلك أن يكون مستعارًا لإبطال العهد. وكالأظفار في قول حسين بن الضحاك يخاطب عمرو بن مسعدة ليشفع له لدى المأمون الخليفة:

أَنْتَ يَا عَمْرُو قُوَّتِي وَحَيَاتِي ... وَلِسَانِي وَأَنْتَ ظُفْرِي وَنَابِي (٣)


(١) أشرت بهذا إلى الجواب عما يرد على تفسير المكنية الذي اعتمدته هنا، وهو مذهب السلف من أنه يقتضي الجمعَ بين المشبه والمشبه به فيصير تشبيهًا بليغًا لا استعارة. وحاصل الجواب أننا بعد تسليم كون التشبيه البليغ ليس باستعارة، فلا نسلم أن هنالك جمعًا بين المشبه والمشبه به؛ لأن ذكر لفظ المشبه به ليس مقصودًا بالذات، بل جيء به لبيان أن اللازم لم يُرَد به الحقيقة، فتأمل. - المصنف.
(٢) ديوان لبيد، ص ١١٤. وقد جاء فيه "وزعت" بدل "كشفت".
(٣) الأصفهاني: الأغاني، ج ٢/ ٧، ص ١٢٣ (نشرة الحسين).

<<  <  ج: ص:  >  >>