للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُنا: "على وجه تتمكن به من نفوس المخاطبين بها"، خرج به علمُ اللغة والنحو والصرف؛ إذ لا يُشترط فيها ذلك. وقولنا: "من حيث حسن ربط أجزاء الكلام" إلخ، لإخراج علم البلاغة؛ لأنه لا تُشترط فيه تلك الحيثية. وبذلك فارق هذا الفنُّ بقيةَ فنون الأدب اللساني.

وقولنا: "ما يُستجاد من الألفاظ ويحسن من الأساليب"، إشارةٌ إلى أن من أخصِّ وظائف المنشِئين التدربَ على اختيار أخفِّ الألفاظ استعمالًا و [أحسنِها] (١) رونقًا، وتحسينِ أسلوب الخطاب، واختيار ما يُناسِبُ المقامَ منها. وسيأتي الكلامُ على اختيار الألفاظ في القسم اللفظي، والكلامُ على الأساليب بعد هذا.

وقولنا: "مع بلاغته"، لإخراج ما ليس ببليغ، فليس من الإنشاء المبحوث عنه عرفًا، وإنما هو التعبيرُ عن المعاني كيفما اتفق. وذلك لا يتوقَّفُ إلا على معرفة المفردات، وكيفية ربط الكلم بعضها ببعض، والبحثُ عنه في أوليات علمي النحو والصرف.

وموضوعُه (٢) الكلامُ العربي من حيث ربطُ جملِه، ومحاسن كلمه. وبذلك فارق موضوعَ البلاغة؛ إذِ الإنشاء لا يتعلق إلا بالكلام المشتمل على جُمَلٍ كثيرة، ولا يدخل الجملةَ الواحدة المفيدة. إلا أن بعضَ أبوابٍ من البلاغة لا تخلو من شديد انتسابٍ بمسائل (٣) الإنشاء، كالفصل والوصل، والإيجاز والإطناب، وبعض المحسنات البديعية.

واستمدادُه من كلام البلغاء وخطبهم، ورسائلهم، وأشعارهم، وآداب العرب وعوائدهم، ومشهورِ أحوال الأمم المعروفة وأمثالها. قال ابن الأثير في المثل


(١) اللفظة التي بين حاصرتين ليست في الأصل، والسياق يقتضيها.
(٢) أي الإنشاء.
(٣) الأولى أن يقال "انتساب إلى"، إلا أن يكون قصد بلفظ "انتساب" معنى الاتصال لا النسبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>