شُمِلت بالتدوين في أوائل الدولة العباسية ضمن كتب أدب العرب، مثل كتب أبي عبيدة وأضرابه. ثم كان بعدُ مُدرَجًا في كتب بلاغة العربية، إلى أن شب شبابُ ديوان الإنشاء في الدولة العباسية وما تفرع عنها، فأصبح بلغاءُ الكتاب يميزون مسائلَ هذا الفن بالتدوين، وذلك من منتصف القرن الثالث، فمنهم مَنْ جمع ما صدر عنه من بديع المراسلات أو الخطب أو المقامات، ومنهم مَنْ جمع أفضلَ ما يُؤثر عن العرب ومَنْ يليهم من غرر الخطب وبدائع الجمل، كما صنع الجاحظ في بيانه (توفِّيَ سنة ٢٥٥ هـ)، ومنهم مَنْ جمع أمثال العرب وموجز أقوالهم، كما فعل أبو منصور الثعالبي في جل كتبه (توفِّيَ سنة ٤٣٠ هـ).
ثم جاء الذين حاموا حول ضبطِ الأصول وتدوين القواعد، فمزجوا الفنَّ بمسائل علوم البلاغة والمحسنات، وأكثروا فيما عدا ذلك من الوصاية بتتبع منشآت البلغاء من الكتاب، وأتوا بجملة منها، ووازنوا بينها، لتحصل للمتعلم ملكةٌ يقتدر بها على تمييز الحسن من غيره، والنسج على منوال ما يراه حسنا. وفي هذه الطريقة ظهرت أفضلُ كتب الفن وأقربُها إلى الطريقة التعليمية، كما فعل ابنُ الأثير، وسبقه لذلك أبو هلال العسكري في "كتاب الصناعتين"(توفِّيَ سنة ٣٩٥ هـ). وعلى وقع خطاهم اقتفى السالكون المطولون كتبَهم والمقصرون.
= التحق بعد هزيمة ابن الأشعث بحوشب بن يزيد عامل الحجاج على الكوفة فاستحضره الحجاج، فكان مما قال له ابن القرية: "أقلني عثرتي واسقني ريقي؛ فإنه ليس جواد إلا له كبوة، ولا شجاع إلا له هبوة، ولا صارم إلا له نبوة، فقال الحجاج: كلا والله لأرينك جهنم. قال: فأرحني فإني أجد حرها"، فأمر به الحجاج فضربت عنقه، فلما رآه قتيلًا قال: "لو كنا تركنا ابن القرية حتى نسمع من كلامه! " الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج ٦، ص ٣٨٥ - ٣٨٦. وانظر ابن الأثير الجزري، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد: الكامل في التاريخ، تصحيح محمد يوسف الدقاق (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٠٧/ ١٩٨٧)، ج ٤، ص ٢٢٤.